للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث الثاني

عَنْ أم سَلَمَة رضي الله عَنْهَا قَالَت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوجهَا، وقد اشتكت عَيْنَها أفنكْحُلُهَا؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا " مرتين أو ثَلاثَاً، كل ذلك يقول: "لا".

ثم قال: " إنَّمَا هِي أربَعَةُ أشهر وعشر، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَ في الْجَاهِلَيَّةِ تَرْمِي بالبَعْرَةِ عَلى رأس الْحَوْل ".

فَقَالَتْ زَينبُ: كَانَتِ المرأة إذَا توفي عَنْهَا زوْجُهَا دَخَلَتْ حِفشا وَلبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلْم تَمس طِيباً وَلا شَيْئاً حَتَّى تَمُرُّ عَلَيْهَا سَنَةٌ، ثم تؤتَي بِدَابَّةٍ -حمار أو طَيْر أو شاةٍ- فَتَفْتضُّ بهِ، فَقَلًمَا تَفْتَضُّ بِشَيء إلا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فتعْطَي بَعْرَة فتَرْمِي بِهَا، ثم تُرَاجِعُ بَعْد مَا شَاءَتْ مِنْ طِيب أوْ غيْرِهِ.

الغريب:

البعرة: بفتح العين وإسكانها.

حِفْشا: بكسر الحاء المهملة وإسكان الفاء، ثم شين معجمة. هو البيت الصغير الحقير.

فتفتضُّ به: بفاء، ثم مثناة، ثم فاء ساكنة، ثم مثناة مفتوحة، ثم ضاد معجمة مثقلة. معناه: أنها تتمسح به فتنقي به درنها ووسخها الذي تراكم عليها، طيلة هذه المدة. وهي عادة من عاداتهم في الجاهلية.

أفنكحُلها: بضم الحاء.

المعنى الإجمالي:

جاءت امرأة تستفتى النبي صلى الله عليه وسلم، فتخبره أن زوج ابنتها توفى فهي حاد عليه، والحادُّ تجتنب الزينة، ولكنها اشتكت وجعا في عينيها فهل من رخصة فنكحُلها؟.

فقال صلى الله عليه وسلم: لا- مكرراً ذلك، مؤكدا.

ثم قلَّل صلى الله عليه وسلم المدة، التي تجلسها حاداً لحرمة الزوج وهي أربعة أشهر وعشر، أفلا تصبر هذه المدة القليلة التي فيها شيء من السعة.

وكنتن في الجاهلية، تدخل الحاد منكن بيتاً صغيراٍ كأنه زرب وحش، فتتجنب الزينة، والطيب، والماء، ومخالطة الناس، فتراكم عليها أوساخها وأقذارها، معتزلة الناس، سنة كاملة.

فإذا انتهت منها أعطيت بعرة، فرمت بها، إشارة إلى أن ما مضى عليها من ضيق وشدة وحرج لا يساوي -بجانب القيام بحق زوجها- هذه البعرة.

فجاء الإسلام فأبدلكن بتلك الشدة نعمة، وذلك الضيق سعة، ثم لا تصبر عن كحل عينها، فليس لها رخصة، لئلا تكون سُلَّماً إلى فتح باب الزينة للحادِّ.

<<  <   >  >>