للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث الخامس

عَنْ كَعْبِ بْن مَالِكٍ قالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله، إنَّ مِنْ تَوبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مَالي صَدَقَةً إلَى الله وَإلَى رَسُولِهِ.

فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أمْسِكْ عَلَيكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَير لَكَ"

المعنى الإجمالي:

كان كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه أحد الثلاثة الذين خُلِّفُوا عن " غزوة تبوك " بلا نفاق ولا عذر.

فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الغزوة، هجرهم، وأمر أصحابه بهجرهم.

ومازالوا مهجورين، حتى نزلت توبتهم ورضي الله عنهم، فرضي الرسول والصحابة.

فكان من شدة فرح كعب برضا الله عنه وقبول توبته، أن أراد أن ينخلع من كل ماله، ويخرج منه صدقة لوجه الله تعالى، فيكون إنفاقه فيما يرضى الله ورسوله.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك، فالله تعالى لما علم صدق نيتك وحسن توبتك، غفر لك ذنبك، وتجاوز عنك.

ولو لم تفعل هذا، فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

وقد أنفق بعض ماله، فرحا برضا الله تعالى، وليجد ثوابه مُدَّخراً عنده وأبقى بعضه، ليقوم بمصالحه ونفقاته الواجبة من مؤونة نفسه، ومؤونة من يعول. والله رؤوف بعباده.

ما يستفاد من الحديث:

١- أن من نذر الصدقة بماله كله، أبقى منه ما يكفيه ويكفي من يعول، وأخرج الباقي.

والمذهب عند الحنابلة، يخرج الثلث، ويمسك الباقي.

واستدلوا بأبي لبابة حين انخلع من ماله كله، فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمك الثلث. رواه أحمد.

والقول الأول: أولى وأقرب إلى مفهوم الشارع في قصة كعب.

ولأنه لما نذر كل ماله، صار الذي بقدر نفقاته الواجبة، كالمستثنى شرعا، فلا يجوز التصرف فيه، كما لو نذر صيام سنة، فلن يدخل في نذره ما يجب فطره كالعيدين.

٢- أن الأولى والأحسن، أن لا ينهك الإنسان ماله بالصدقات، لأن عليه نفقات واجبة، والني صلى الله عليه وسلم يقول " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول".

٣- أن النفقة على النفس والزوجة والقريب، عبادة جليلة، وصدقة عظيمة مع النية الحسنة.

فالأحسن أن يتصدق بنية التقرب، وأن لا تطغى نية قضاء الشهرة والشفقة المجردة والمحبة، على نية العمل.

٤- أن الصدقة سبب في مَحْوِ الذنوب، لما فيها من رضا الرب تبارك وتعالى والإحسان إلى الفقراء والمساكين، واستجلاب دعائهم.

<<  <   >  >>