أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، وذلك أول نبوته، فأمره أن يقرأ في نفسه، ولم يأمره إذ ذاك بالتبليغ.
ثم نزل عليه {يا أيها المدثر قم فأنذر} فنبأه بقوله: {اقرأ} وأرسله بـ {يا أيها المدثر} ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حوله من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ... ويؤمر بالكف والصبر والصفح.
ثم أذن له في الهجرة، وأذن له في القتال، ثم أمره أن يقاتل من قاتله، ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله، ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله. اهـ.
قلت: ويعلم من المرحلة الأخيرة في القتال وجوب قتال الكفار ومهاجمتهم
بعد دعوتهم والأعذار إليهم حتى تكون كلمه الله هي العليا، وإن قتال الكفار في الإسلام ليس مدافعة فقط، بل هو حركة جهادية حتى يكون الدين كله للَه.
نسأل الله أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، إنه قوي عزيز.
الحديث الأول
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أبى أوْفَى رَضي الله عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في أيامه الَّتي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ، انتظَرَ حَتَّى إذَا مَالتِ الشَّمس قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ:
{يا أيها النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، واسألوا الله الْعَافِيَةَ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِروُا وَاعْلَمُوا أنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السيوفِ} .
ثُمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "اللهم مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ، اِهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ".
المعنى الإجمالي:
ينهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن تَمَنى لقاء العَدُوِّ، لما في ذلك من العجب والغرور واحتقار الأعداء وازدرائهم، الذي هو انتفاء للحيطة والحزم المطلوبين.
وأمرهم أن يسألوا الله تعالى العافية، وهي السلامة من مكروهات الدنيا والآخرة، ومنها لقاء الأعداء.
ثم بيَّن أسباب النصر- إذا ابتلوا بعدوهم- وهي الثبات والصبر وتَحرى القتال في أوقات البرد بعد الزوال، فإنَِّّه وقت هبوب الرياح وفي ذلك تنشط الأجسام ويحين وقت النصر، وأن لا يتكلوا على قُوَّتِهم وعدتهم، بل يسألوا الله تعالى العون والنصر وَخَذلَ الأعداء.
ثم ذكر دعاء مناسباً لذلك الموطن، فتوسل إلى الله تعالى بكونه مُنْزِلَ الكتاب الذي سن القتال، لإظهار شعائره وأحكامه، وهو توسل بنعم الدِّين،