للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم في مقدار اثني عشر ألفاً سوى عبيد له كثيرة وأتباع من البلديين، فاقتتلوا، وصبر أهل الشام صبراً لم يصبر مثله أحدٌ قط، وقال عبد الرحمن بن علقمة اللخمي: أروني بلجاً، فو الله لأقتلنه أو لأموتنّ دونه، فأشاروا إليه نحوه، فحمل بأهل الثغر حملةً انفرج لها الشاميون، والراية في يده، فضربه عبد الرحمن ضربتين مات منهما بعد ذلك في أيامٍ قلائل، ثم إن البلديين انهزموا بعد ذلك هزيمةً قبيحة، واتبعهم الشاميون يقتلون ويأسرون، فكان عسكراً منصوراً مقتولاً أميره، وكان هلاك بلج في شوال سنة أربع وعشرين ومائة، وكانت مدته أحد عشر شهراً، وسريره قرطبة، والعرب الشاميون الداخلون معه إلى الأندلس يعرفون عند أهل الأندلس بالشاميين، والذين كانوا في الأندلس قبل دخوله يشهرون بالبلديين.

ولما هلك بلج قدم الشاميون عليهم بالأندلس ثعلبة بن سلامة العاملي، وقد كان عندهم عهد الخليفة هشام بذلك، فسار فيهم بأحسن سيرة، ثم إن أهل الأندلس الأقدمين من العرب والبربر سموا بعد الوقعة لطلب الثأر، فآل أمره معهم إلى أن حصروه بمدينة ماردة، وهم لا يشكّون في الظفر، إلى أن حضر عيدٌ تشاغلوا به، فأبصر ثعلبة منهم غرةً وانتشاراً وأشراً بكثرة العدد والاستيلاء، فخرج عليهم في صبيحة عيدهم وهم ذاهلون، فهزمهم هزيمة قبيحة، وأفشى فيهم القتل، وأسر منهم ألف رجل، وسبى ذريتهم وعيالهم، وأقبل إلى قرطبة من سبيهم بعشرة آلاف أو يزيدون، حتى نزل بظاهر قرطبة يوم خميس وهو يريد أن يحمل الأسارى على السيف بعد صلاة الجمعة. وأصبح الناس منتظرين لقتل الأسارى، فإذا بهم قد طلع عليهم لواءٌ فيه موكب، فنظروا فإذا أبو الخطار قد أقبل والياً على الأندلس، وهو أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي. وذكر ابن حيان أنه قدم والياً من قبل حنظلة بن صفوان صاحب إفريقية، والخليفة حينئذٍ الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وذلك في رجب سنة خمس وعشرين ومائة، بعد عشرة أشهر وليها ثعلبة بن سلامة، قال: وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>