للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فارقتكما عليه لرأيت أن لا أقصر حتى ألقاكما لئلاّ أغركما من نفسي، فإني أعلمكما أن أول سيف يسلّ عليه سيفي، فبارك الله لكما في رأيكما، فقالا له: ما لنا رأي إلا رأيك، ولا مذهب لنا عنك. ثم انصرفا عنه على أن يعينهما في أمره إن طلب غير السلطان، وانصرفا عنه إلى إلبيرة عازمين على التصميم في أمره، ويئسا من مضر وربيعة، ورجعا إلى اليمانية، وأخذا في تهييج أحقاد أهل اليمن على مضر، فوجداهم قوماً قد وغرت صدورهم عليهم، يتمنون شيئاً يجدون به السبيل إلى إدراك ثأرهم، واغتنما بعد يوسف صاحب الأندلس في الثغر، وغيبة الصميل، فابتاعا مركباً ووجها فيه أحد عشر رجلاً منهم مع بدر الرسول، وفيهم تمام بن علقمة وغيره، وكان عبد الرحمن قد وجه خاتمه إلى مواليه، فكتبوا تحت ختمه إلى من يرجونه في طلب الأمر، فبثوا من ذلك في الجهات مادبّ به أمرهم، ولما وجه أبو عثمان المركب المذكور مع شيعته ألفوه بشطّ مغيلة من بلاد البربر، وهو يصلي، وكان قد اشتد قلقه وانتظاره لبدر رسوله، فبشره بدر بتمكن الأمر، وخرج إليه تمام مكثراً لتبشيره، فقال له عبد الرحمن: ما اسمك قال: تمام، قال: وما كنيتك قال: أبو غالب، فقال: الله أكبر! الآن تمّ أمرنا وغلبنا بحول الله تعالى وقوته، وأدنى منزلة أبي غالب لما ملك، ولم يزل حاجبه حتى مات عبد الرحمن. وبادر عبد الرحمن بالدخول إلى المركب، فلما هم بذلك أقبل البربر فتعرضوا دونه، ففرقت فيهم من مال كان مع تمام صِلاتٌ على أقدارهم، حتى لم يبق أحد حتى أرضاه، فلما صار عبد الرحمن بداخل المركب أقبل عاتٍ منهم لم يكن أخذ شيئاً فتعلق بحبل الهودج يعقل المركب، فحول رجل اسمه شاكر يده بالسيف، فقطع يد البربري، وأعانتهم الريح على التوجه بمركبهم، حتى حلوا بساحل إلبيرة في جهة المنكب، وذلك في ربيع الآخر سنة ١٣٨، فأقبل إليه نقيباه أبو عثمان وصهره أبو خالد، فنقلاه إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>