للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوء النكال، من تكون حتى تقبل مهنئاً رافعاً صوتك غير متلجلج ولا متهيب لمكان الإمارة ولا عارف بقيمتها حتى كأنك تخاطب أباك أو أخاك وإن جهلك ليحملك على العود لمثلها، فلا تجد مثل هذا الشافع في مثلها من عقوبة، فقال: ولعل فتوحات الأمير يقترن اتصالها باتصال جهلي وذنوبي، فتشفع لي متى أتيت بمثل هذه الزلة، لا أعدمنيه الله تعالى، فتهلل وجه الأمير، وقال: ليس هذا باعتذار جاهل، ثم قال: نبهونا على أنفسكم، إذا لم تجدوا من ينبهنا عليها، ورفع مرتبته، وزاد في عطائه.

ولما أنحى أصحابه على أصحاب الفهري بالقتل يوم هزيمتهم على قرطبة قال: لا تستأصلوا شأفة أعداءٍ ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوةً منهم، يشير إلى استبقائهم ليستعان بهم على أعداء الدين.

ولما اشتد الكرب بين يديه يوم حربه مع الفهري، ورأى شدة مقاساة أصحابه، قال: هذا اليوم هو أُس ما يبنى عليه، إما ذل الدهر وإما عز الدهر، فاصبروا ساعة فيما لا تشتهون تربحوا بها بقية أعماركم فيما تشتهون.

ولما خرج من البحر أول قدومه على الأندلس أتوه بخمر، فقال: إني محتاج لما يزيد في عقلي، لا لما ينقصه، فعرفوا بذلك قدره؛ ثم أهديت إليه جارية جميلة فنظر إليها وقال: إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن، وردها على صاحبها.

ولما استقامت له الدولة بلغه عن بعض من أعانه أنه قال: لولا أنا ما توصل لهذا الملك، ولكان منه أبعد من العيوق، وأن آخر قال: سعده أعانه، لا عقله وتدبيره، فحركه ذلك إلى أن قال:

لا يلف ممتنٌّ علينا قائلٌ ... لولاي ما ملك الأنام الداخل

سعدي وحزمي والمهنّد والقنا ... ومقادرٌ بلغت وحالٌ حائل

<<  <  ج: ص:  >  >>