للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحضور على إنزاله في ملحده، فنظرته ولا أثر فيه، وليس عليه شىء يواريه، غير كساء خلق لبعض البوابين، فدعا له محمد بن مسلمة بغاسل فغسله والله على فردة باب اقتطع من جانب الدار، وأنا أعتبر من تصرف الأقدار، وخرجنا بنعشه إلى قبره وما معنا سوى إمام مسجده المستدعى للصلاة عليه، وما تجاسر أحد منا للنظر إليه، وإن لي في شأنه لخبراً ما سمع بمثله طالب وعظ، ولا وقع في سمع ولا تصور في لحظ، وقفت (١) له في طريقه من قصره، أيام نهيه وأمره، أروم أن أناوله قصة، كانت به مختصة، فو الله ما تمكنت من الدنو منه بحيلة لكثافة موكبه، وكثرة من حف به، وأخذ الناس السكك عليه وأفواه الطرق داعين، ومارين بين يديه وساعين، حتى ناولت قصتي بعض كتابه الذين نصبهم جناحي موكبه لأخذ القصص، فانصرفت وفي نفسي ما فيها من الشرق بحاله والغصص (٢) ، فلم تطل المدة حتى غضب عليه المنصور واعتقله، ونقله معه في الغزوات واحتمله (٣) ، واتفق أن نزلت بجليقية إلى جانب خبائه في ليلة نهى فيها المنصور عن وقود النيران ليخفى على العدو أثره، ولا ينكشف إليه خبره، فرأيت والله عثمان ولده يسفه (٤) دقيقاً قد خلطه بماء يقيم به أوده، ويمسك بسببه رمقه، بضعف حال وعدم زاد، وهو يقول (٥) :

تعاطيت (٦) صرف الحادثات فلم أزل ... أراها توفّي عند موعدها الحرا

فلله أيام مضت بسبيلها ... فإني لا أنسى لها أبداً ذكرا


(١) انظر أيضا الذخيرة ٤ / ١: ٤٩.
(٢) فانصرفت ... والغصص: سقطت من ق.
(٣) ق: وأخمله؛ المطمح: وحمله.
(٤) الذخيرة: يسقيه.
(٥) انظر أيضا الحلة ١: ٢٦٥.
(٦) المطمح والحلة: تأملت.

<<  <  ج: ص:  >  >>