وأخّر الإلهية لخصوصها؛ لأنه سبحانه إنما هو إلهُ مَنْ عبده وحده واتخذه دون غيره إلهًا، فمن لم يعبده ويوحده فليس بإلهه، وإن كان في الحقيقة لا إله له سواه، ولكن المشرك ترك إلهه الحق واتخذ إلهًا غيره باطلًا.
ووسّط صفة الملك بين الربوبية والإلهية؛ لأن الملك هو المتصرف بقوله وأمره، فهو المطاع إذا أمر، وملكه لهم تابع لخلقه إياهم، فملكه من كمال ربوبيته، وكونه إلههم الحق من كمال ملكه، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه، وملكه يستلزم إلهيته ويقتضيها، فهو الرب الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلهيته.
فتأمل هذه الجلالة، وهذ العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام وأحسن سياق {رَبِّ النَّاسِ, مَلِكِ النَّاسِ, إِلَهِ النَّاسِ} .
وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاثة على جميع قواعد الإيمان، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى.
أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى: فإن الرب هو القادر الخالق البارئ المصور، الحي القيوم، العليم السميع البصير، المحسن المنعم، الجواد المعطي المانع، الضار النافع المقدم المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء, إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى.
وأما الملك: فهو الآمر الناهي، المعز المذل، الذي يصرف أمور عباده كما يحب ويقلبهم كما يشاء، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى كالعزيز الجبار المتكبر، الحكم العدل، الخافض الرافع، المعز المذل، العظيم الجليل الكبير، الحسيب المجيد، الوالي المتعالي, مالك الملك المقسط الجامع -إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك.