للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلقنا ورزقنا ويميتنا إيمان مع شرك في عبادتهم غيره؛ لأنهم يؤمنون بأنه خالق ويعبدون غيره١، ولذلك لم يطالبهم القرآن بأن يشهدوا أن لا رب إلا الله إنما طالبهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله؛ لأنهم مقرون بالأولى منازعون في الثانية التي هي أدل على المقصود من الخلق وهو العبادة المأمور بها, كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون} ٢ ٣.

وكذلك قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: "يا معاذ, أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن لا يعذبهم" ٤، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمين: "فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله" ٥.

وبهذا يتبين أن توحيد الربوبية وحده لا يكفي في تحقيق مقام "إياك نعبد وإياك نستعين", ولا يتم هذا المقام إلا بتوحيد الألوهية, فإذا أقر العبد بتوحيد الربوبية والألوهية يتحقق هذا المقام علمًا وحالًا وهذا هو المطلوب للنجاة من النار ودخول الجنة٦.

وكلمة الشهادة التي دعا إليها الرسل "لا إله إلا الله" تشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة، فقد دلت على توحيد الألوهية؛ لأن معناها: لا معبود بحق إلا الله, ففيها إثبات العبادة لله ونفيها عما سواه.


١ انظر تفسير الطبري ٢/٤٩٤ و١٦/٢٨٦.
٢ سورة الذاريات آية ٥٦.
٣ انظرالفتاوى ١/٢٣ و٢/١٤، وتيسير العزيز الحميد ص١٧ وتطهير الجنان ص٦، ٨.
٤ رواه البخاري في التوحيد ومسلم في الإيمان ٤٨.
٥ رواه البخاري في التوحيد عن ابن عباس.
٦ انظر مدارج السالكين ١/٤١١ والدين الخالص ١/٥٧.

<<  <   >  >>