للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويخافه ويتقي غضبه ويطلب رضاه؛ لأنه وحده هو المالك الخالق الرازق المانع المانح، فلا تصادم عند الموحد بين عقيدته وفطرته كما هو حال المشرك, ولا يعبد ما كتب عليه الهلاك والفناء، إنما يعبد الذي يغير ولا يتغير ولا يلحقه فناء ولا هلاك، لذا نجد المشرك دائمًا مصادمًا لفطرته، مضطربًا في وجهته وغايته ودوافع عمله وسلوكه، ولن يستوي من يعبد الباقي الحي الذي لا يموت وله الكمال المطلق، ومن يعبد الفاني الموصوف بالنقص, والفرق بين النقص والكمال كالفرق بين الشرك والتوحيد.

والتوحيد يضيء جوانب النفس ويطهرها, وينقي الضمير ويحييه, ويرقق القلب والروح، بينما الشرك حجب كثيفة على القلب والروح، وما يصدر عن القلبين الموحد والمشرك كما يصدر عن الشجرة الطيبة والخبيثة, لقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ, تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ, وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} ١.

قال ابن القيم رحمه الله: "فالله سبحانه شبَّه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوًا, ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة في كل وقت بحسب ثباتها في القلب وإخلاصه فيها.."٢ ا. هـ.

فإذا استقرت عقيدة التوحيد في القلب صلح وصلح سائر الجسد حتى يعم النفع لغيره، وإذا فسد القلب بالشرك فسد سائر الجسد حتى لا يصدر عنه إلا كل خبيث كما قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً} ٣.


١ سورة إبراهيم آية ٢٤- ٢٦.
٢ إعلام الموقعين ١/١٧١.
٣ سورة الأعراف آية ٥٨.

<<  <   >  >>