للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لنفسه وهو موجود فيجتمع فيه النقيضان بنفس الوقت؛ لاستحالة أن يكون موجودًا معدومًا بنفس الوقت كما يستحيل أن يكون خالقًا ومخلوقًا، وبهذا يظهر بطلان هذا الادعاء وتهافته.

وإن عنوا بكلمة الطبيعة صفات الأشياء وقابلياتها من حرارة وبرودة وملاسة وخشونة, فقولهم هذا أكثر تهافتًا من سابقه؛ لأن من البدهيات أن الصفات والقابليات لا تقوم إلا بذات الأشياء، فهي مفتقرة للأشياء, فالصفة دائمًا مفتقرة إلى الموصوف لأنها لا تظهر إلا به، وإذا كانت الأشياء الموصوفة ذاتها عاجزة عن إيجاد نفسها فعجز الصفة والقابلية عن إيجاد موصوفاتها من باب أولى -بل إن الصفة نفسها بحاجة إلى موجد يوجدها في موصوفها؛ لأن الموصف كما هو عاجز عن إيجاد نفسه فهو عاجز عن إيجاد صفته.

وبهذا يظهر بطلان قول أهل الطبع الذين جعلوا من الأشياء آلهة ونحلوها أسماء باطلة، فالطبيعة ليست إلهًا يخلق، وإنما هي أصنام الملحدين الذين فروا من التوحيد تحت شعار هذا الاسم الخادع، يقول تعالى على لسان هود عليه السلام قوله لقومه عندما جادلوه في أصنامهم: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} ١، وقال تعالى عن يوسف قوله لصاحبيه في السجن: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} ٢.

وقد رفض هذا التفسير للخلق عدد من العلماء الغربيين, وهذه جملة من أقوالهم؛ يقول "كلودم هاثاوي" المصمم للعقل الإلكتروني في مقال له بعنوان المبدع العظيم: "إن فلسفتي تسمح بوجود غير المادي لأنه بحكم تعريفه لا يمكن إدراكه


١ سورة الأعراف آية ٧١.
٢ سورة يوسف آية ٤٠.

<<  <   >  >>