للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعده عن الهدى وإصابة الحق وهلاكه وذهابه عن ربه مثل من خر من السماء فتخطفته الطير فهلك أو هوت به العواصف في مكان بعيد، فعن قتادة قال: فكأنما خر.. الآية، قال: هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه"١ أ. هـ.

فتأمل هذا المثل ومطابقته لحال من أشرك بالله وتعلق بغيره ويجوز في هذا التشبيه أمران:

أحدهما: أن نجعله من التشبيه المركب، فيكون قد شبه من أشرك بالله وعبد معه غيره برجل أهلك نفسه هلاكًا لا يرجى معه نجاة، فحاله كحال من سقط من السماء فاختطفته الطير في الهواء ومزقته في حواصلها، أو عصفت به الريح فسقط في مكان عميق.

وعلى هذا التشبيه المركب لا ننظر إلى كل فرد من أفراد المشبه ومقابله من المشبه به.

ثانيهما: أن نجعله من التشبيه المفرق فيقابل كل واحد من أجزاء الممثل بالممثل به، فيكون قد شبه التوحيد في علوه وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه، فمنها هبط إلى الأرض وإليها يصعد، وشبه تارك التوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين لما يجده من التضييق والشدة، وشبه الشياطين التي تؤزه وتتقاسم قلبه بالطير التي تتقاسم لحمه، وشبه هواه الذي ألقاه في التهلكة بالريح التي هوت به في مكان سحيق٢.

ب- وضرب الله تعالى مثل المشرك في عبادته الأصنام كمثل رجل في الفلاة حائر وله أصحاب مسلمون موحدون يدعونه للهدى فلا يتبعهم، قال


١ انظر تفسير الطبري ١٧/١٥٥.
٢ انظر أعلام الموقعين ١/١٨٠ وتفسير الكشاف ٣/١٣.

<<  <   >  >>