للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ١.

يأمر سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار أنخص بالعبادة الأصنام وندع عبادة الله فنرجع القهقرى لم نظفر بحاجتنا؟ فيكون مثلنا في ذلك مثل الرجل الذي سيّرته الشياطين في الأرض حيران ضالًّا عن المحجة، ولهذا الحيران أصحاب مسلمون يدعونه لما هم عليه من الهدى الذي هم عليه مقيمون, والصواب الذي هم به متمسكون وهو ويعاندهم ويتبع الشياطين الداعية له لعبادة الأوثان.

عن ابن عباس قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو..} الآية قال: هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها وللدعاة الذين يدعون إلى الله, كمثل رجل ضل الطريق إذ ناداه منادٍ: يا فلان ابن فلان هلم إلى الطريق، وله أصحاب يدعونه: يا فلان هلم إلى الطريق، فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق٢.

وهذا المثل في غاية الحسن؛ وذلك لأن الذي يهوي من المكان العالي إلى الوهدة العميقة يهوي إليها مع الاستدارة على نفسه كالحجر حال نزوله من أعلى, فإنه لا ينزل إلا مع الاستدارة وذلك يوجب كمال التردد والحيرة؛ لأنه عند نزوله من أعلى إلى أسفل لا يعرف على أي شيء يسقط عليه، قال أبو حيان: "ولا تجد للخائف الحائر أكمل ولا أحسن من هذا المثل"٣، وعن مجاهد قال: "حيران: هذا مثل ضربه الله للكافر, يقول: الكافر حيران يدعوه المسلم إلى الهدى فلا يجيب"٤ أ. هـ.


١ سورة الأنعام آية ٧١.
٢ تفسير الطبري ٧/٢٣٦ وانظر البحر المحيط ٤/١٥٦.
٣، ٤ البحر المحيط ٤/١٥٦ وانظر تفسير الطبري ٧/٢٣٧ وتفسير القرطبي ٧/١٨ وتفسير ابن كثير ٢/١٤٥ وتفسير الكشاف ٢/٢٨.

<<  <   >  >>