للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى ومخالفاته لأمره وعدم قبوله لمعجزات الرسل لأنه ميت القلب، وهذا من باب التهكم والازدراء٤.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه روح الرسالة ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة وهو من الأموات, قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} الآية فهذا وصف المؤمن كان ميتًا في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان وجعل له نورًا يمشي به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات، وسمى الله رسالته روحًا والروح إذا عدم فقدت الحياة"٥.

وشبه الله سبحانه وتعالى الكافر بالأنعام التي لا تفقه ما يقال لها وهمها الأكل والشرب, وهم في شدة نفورهم من الإيمان وفرارهم عن سماع القرآن كالحمر التي رأت الأسد ففرت مسرعة في كل اتجاه، فبين سبحانه أن الكفار أضل من البهائم لأنها تبصر منافعها ومضارها وتتبع مالكها، قال عطاء: "الأنعام تعرف الله والكافر لا يعرفه"٦ ولهذا جعل الأكثرين أضل سبيلًا من الأنعام لأنها تتبع قائدها وتهتدي للطريق, وأما الكفار فدعاهم الرسل للطريق والهداية فلم يتبعوهم، بل لم يفرقوا بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم، والأنعام تفرق بين ما يضرها من النبات أو الطريق وبين ما ينفعها منه, فتجتنب الأول وتؤثر الثاني, والله تعالى لم يعطِ البهائم قلوبًا تفقه بها ولا ألسنة تنطق بها، وأعطى ذلك للكفار ثم لم ينتفعوا به، فصاروا أضل من البهائم؛ لأنهم لم يهتدوا مع وجود الأدلة.


١ انظر البحر المحيط ٦/١١٨ و٧/٣١٨ وتفسير ابن كثير ١/١٣٠ وتفسير القرطبي ١٤/٣٣٩.
٢ الفتاوى ١٩/٩٤.
٣ انظر تفسير الطبري ٩/١٣١ وتفسير القرطبي ٧/٣٢٤ وتفسير الكشاف ٤/١٨٨.

<<  <   >  >>