للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والوثنية، فما دام أنهم اعتزلوا أوثانهم فليعتزلوا مجتمعهم إذن؛ لأنه مجتمع الشرك والوثنية ويحارب التوحيد: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً} ١.

وتمضي القصة تبين عناية الله ورعايته للمؤمنين الموحدين في كهفهم حيث ناموا فيه نومًا هادئًا سنين طويلة من غير أن تبلى أجسامهم، ويتغير الشرك في مدينتهم خلال هذه المدة، ويأتي حاكم مؤمن موحد بعد ثلاثمائة وتسع سنين من دخولهم الكهف ونومهم فيه، ويشاء الله أن يستيقظوا جياعًا يتلهفون للأكل ولكنهم يخشون أن يعلم قومهم بمكانهم فيقتلوهم أو يردوهم إلى الشرك والوثنية، لذلك كان على من يذهب لشراء الطعام أن يكون حذرًا لبقًا في الطريقة التي يدخل بها ويخرج من المدينة: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} ٢.

ويكتشف أهل المدينة الموحدون هؤلاء الفتية ويستدلون على مكانهم ويبنون مسجدًا على كهفهم.

وفي ختام القصة إشارة إلى التوحيد كذلك، فيأمر الله تعالى رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن لا يقول سأفعل شيئًا في المستقبل إلا بمشيئة الله وحده المتصرف في الكون ومافيه: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً, إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ٣، فليس لأحد حركة أو سكون إلا بمشيئة الله وإراداته الذي ليس للخلق ولي من دونه يدبرهم ويلي أمورهم, وليس له شرك في قضائه وحكمه، بل هو المنفرد بالتدبير والحكم والقضاء والتصرف في العباد كما يشاء: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} ٤.


١ سورة الكهف آية ١٦.
٢ سورة الكهف آية ٢٠.
٣ سورة الكهف آية ٢٣-٢٤.
٤ سورة الكهف آية ٢٦.

<<  <   >  >>