للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآيات الكثيرة التي نبهت إلى خلق الإنسان لم تأتِ قط لإقناع المشركين بوجود الرب الخالق وتوحيده في ربوبيته، لقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ١، إنما جاءت الآيات القرآنية المنبهة إلى خلق الإنسان لدعوة المشركين إلى توحيد الألوهية والعبادة عن طريق إيمانهم بتوحيد الربوبية، وبهذا يظهر خطأ المتكلمين الواضح في استدلالهم بهذه الآيات على أمر يقر به المشركون أنفسهم.

وفي خلق الإنسان والمراحل التي مرت بها طينة آدم والمراحل التي يمر بها الإنسان في بطن أمه أكبر شاهد بوحدانية الله، وتبين الآيات السابقة أن آدم أصله من التراب الذي صار طينًا لازبًا ثم حمأً مسنونًا ثم من صلصال كالفخار ثم نفخ فيه الروح، ومن هذه النفس الواحدة تناسلت الذرية من ماء مهين يستقر في الأرحام فيصير علقة ثم مضغة ثم ينفخ فيه الروح ويخلق العظام وتكسى باللحم وتشد مفاصله حتى يكون إنسانًا سويًّا معتدلًا في أحسن تقويم، أليس هذا الفعل من بدايته إلى نهايته وتمامه وكماله يدل على وحدانية الإله المعبود؟ فلو كان يدبر أمر النطفة أكثر من إله لفسدت, لجواز أن يريد إله خلق إنسان منها وأن يريد الآخر عكسه، ولذلك امتن الله على خلقه بهذا الحفظ والعناية والتدبير للنطف في بطون الأمهات داعيًا عباده به للإيمان بألوهيته, فقال: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} ٢.

ففي خلق الإنسان وتنقله في بطن أمه من طور إلى طور في ظلمات البطن والرحم والمشيمة، دلالة على وحدانية الله تعالى المستحق للعبادة، لذلك قال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} أي هذا فعل الله الواحد لا فعل آلهتكم فكيف تصرفون عن عبادة إلهكم إلى عبادة أوثانكم؟


١ سورة الزخرف آية ٨٧.
٢ سورة الزمر آية ٦.

<<  <   >  >>