للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الطبري: "قد بينا الحجج وميزنا الأدلة والأعلام وأحكمناها لقوم يفقهون مواقع الحجج ومواضع العبر ويفهمون الآيات والذكر، فإنهم إذا اعتبروا بما نبهتهم عليه من إنشائي من نفس واحدة ما عاينوا من البشر, وخلقي ما خلقت منها من عجائب الألوان والصور, علموا أن ذلك من فعل من ليس له مثل ولا شريك فيشركوه في عبادتهم إياه"١. ويقول ابن كثير: "أي الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له فأنى تصرفون أي فكيف تعبدون معه غيره؟ أين يذهب بعقولكم؟ "٢.

والآيات القرآنية المشيرة لخلق الإنسان ودلالته على وحدانية الله كثيرًا جدًّا فمن ذلك قوله تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} ٣، والمعنى أن الله تعالى خلق الإنسان من نطفة ضعيفة حتى إذا نما وكبر عبد غير خالقه وأخذ يخاصم في وحدانية الله, يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "فلما استقل ودرج إذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ويحارب رسله, وهو إنما خلق ليكون من عبدًا لا ضدًّا"٤.

وهذا صاحب صاحب الجنتين يقول له: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً, لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} ٥، فاستدل له بخلق أبيه آدم من تراب ثم خلقه هو من نطفة على وحدانية الله، وأخبره أنه يقول بوحدانية الله {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} , يقول ابن كثير: "أي لكن أنا لا أقول مقالتك بل أعترف لله بالوحدانية والربوبية {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدا} أي بل هو الله وحده لا شريك له"٦.


١ تفسير الطبري ٧/٢٩١ وانظر تفسير ابن كثير ٢/١٥٩.
٢ تفسير ابن كثير ٤/٤٦ وانظر تفسير الطبري ٢٣/١٢٩.
٣ سورة النحل آية ٤.
٤ تفسير ابن كثير ٢/٥٦١، وانظر تفسير الطبري ١٤/٧٨.
٥ سورة الكهف آية ٣٧-٣٨.
٦ تفسير ابن كثير ٣/٨٤ وانظر تفسير الطبري ٥/٢٤٧.

<<  <   >  >>