للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح"١.

وأما في سورة الإسراء فيتخذ الدليل أسلوب التهديد المباشر حتى يوقظ فطرهم وينبه عقولهم، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً, أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً, أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} ٢.

ومعنى هذا التهديد أن يا أيها المشركون الذين لجأتم إلى الله في البحر، فنجاكم من مخاطره فعدتم للشرك به، هل أنتم آمنون من عذابه وانتقامه؟ إنه قادر على أن يخسف بكم الأرض أو يمطر عليكم حجارة من السماء وعندها لن تجدوا ناصرًا يرد ذلك عنكم، أم أنكم آمنون أن يعيدكم الله في البحر مرة ثانية فيغرق سفنكم بريح شديدة بسبب كفركم وعندها لن تجدوا من يأخذ بثأركم ويتبعنا بشيء من ذلك؟ ٣.

فانظر هذا البيان الإلهي لسفه عقول المشركين، حيث إنهم يلتجئون إلى الله الواحد عند كل كرب في البحر والبر لتيقنهم أن أصنامهم لا تملك دفع المكروه عنهم وأن الله وحده هو الكاشف للبلاء، ثم يصرفون على عبادتها وإشراكها مع الله في الألوهية.

والعقل السليم لا يرضى بالتجاء صاحبه إلى إله في الشدة وإله آخر في الرخاء؛ لأن الإله المنجي من الكربات حقيق أن يكون إلهًا معبودًا وحده في الرخاء، كما في


١ تفسير الكشاف ٢/٢٣١ وانظر شرح هذا الدليل في تفسير الطبري ٧/١٩١ وص ٢١٨ و١١/٩٣ وص١٠٠ و١٤/١٢٠ و٢٣/١٩٩ وفي تفسير ابن كثير ٢/١٣٢ وص ١٣٩ وص٤٠٩ وص٤١٢ وص ٥٧٢.
٢ سورة الإسراء آية ٦٧-٦٩.
٣ انظر تفسير الطبري ١٥/١٢٣ وتفسير ابن كثير ٣/٥١.

<<  <   >  >>