للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الحجة احتج بها إبراهيم على أبيه أولًا ثم على قومه لما يعلم من نصاعتها ووضوحها, فيقول لأبيه ما قاله تعالى عنه: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} ١، {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ, قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ, قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ, أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ, قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ٢.

فلا يليق بالعاقل أبدًا أن يعبد إلهًا دونه وأقل منه، والعابد هو أكمل من معبوده وأقوى بروحه التي بها حياته، وبحواسه التي بها يصرف أموره، وبنطقه الذي به يفهم عن الناس ويفهمون به عنه.

وقد بين تعالى أن هذه الآلهة التي يدعوها المشركون لا تسمعهم في دعائهم لها ولو سمعت لم يتيسر لها إجابة الدعاء, فليست ناطقة ولا سامعة وليس كل سامع قولًا يتيسر له الجواب عنه، وقد وصفها الله تعالى بالغفلة تشبيهًا لها بمن يسهو عما يقال له، وهذا فيه غاية التوبيخ لهم في عبادتهم ما لا يعقل شيئًا ولا يفهم وهو كالغافل، فيقول تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} ٣، ويقول تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} ٤.

وقد ضرب الله تعالى الأمثال لهؤلاء الداعين أصنامهم -كما مر معنا في الفصل الثاني من هذا الباب- فقال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ٥، وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَة


١ سورة مريم آية ٤٢.
٢ سورة الشعراء آية ٧٠-٧٤.
٣ سورة فاطر آية ١٤.
٤ سورة الأحقاف آية ٥.
٥ سورة البقرة آية ١٧١.

<<  <   >  >>