للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظل هذا الأساس سائدًا في عملية جمع اللغة في القرن الثاني الهجري. وبذلك حفظت لنا كتب اللغة الاستخدام اللغوي عند مجموعة من القبائل العربية الشمالية.

لقد اهتم اللغويون بقبائل قيس وتميم وأسد وهذيل وبعض بطون قبيلة كنانة وبعض بطون طيء١. وقد تجنب اللغويون أخذ اللغة عن الحضر، أي عن العرب المستقرين وعن القبائل العربية التي عاشت بالقرب من جماعات لغوية غير عربية، فلم يؤخذ من قبيلة لخم ولا من قبيلة جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، وبالمثل تجنب اللغويون أخذ اللغة عن قضاعة وغسان وإياد لمجاورتهم أهل الشام٢.

وأعرض جامعو اللغة عن قبائل تغلب لاختلاط هذه القبائل بالجماعات اللغوية غير العربية في الشام والعراق ومصر. أما قبائل العرب في اليمن وشرق الجزيرة العربية ومدن الحجاز فقد خرجت أيضا عن اهتمام اللغويين، وقد فسروا عدم أخذ اللغة عن أهل اليمن أن لغتهم تغيرت لمخالطتهم للهند والحبشة ورفضوا أخذ اللغة عن قبائل شرق الجزيرة العربية ومدن الحجاز باعتبار أن لغتهم اختلطت بلغة غير العرب.

والواقع أن اللغويين لم يهتموا في القرن الثاني الهجري بالتنوع اللغوي في الجزيرة العربية، وقصروا اهتمامهم على تقرير فصاحة لغة القبيلة أو عدم فصاحتها، فشغلتهم قضية الفصاحة عن باقي القضايا الكثيرة التي يمكن طرحها في العمل اللغوي الميداني. فسر اللغويون التغير الذي لاحظوه في لهجات بعض القبائل


١ نص الفارابي المقتبس في المزهر للسيوطي ١/ ٢١١.
٢ هناك خطأ وقع فيه الفارابي هنا إذ ذكر أن أكثرهم "نصارى يقرءون بالعبرانية" فمعرفة العبرية في القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي كانت مقصورة على رجال الدين اليهود وقلة من المهتمين بالتراث اليهودي. والصحيح أن أهل الشام كانوا في فجر الإسلام من أبناء الآرامية بلهجاتها المختلفة.

<<  <   >  >>