للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي رفضوها بأنه ثمرة الاختلاط بأبناء الجماعات اللغوية غير العربية في مصر والشام والعراق وبأبناء الجماعات اللغوية الهندية والحبشية الذين اختلط بهم نفر من العرب. ولكن جامعي اللغة في القرن الثاني الهجري لم يهتموا بالعربية الجنوبية التي كانت دون شك منتشرة في مناطق من الجنوب العربي آنذاك، بل عدوا ما وجدوه عند قبائل اليمن من ظواهر لغوية مخالفة ضربًا من الاختلاط الذي أصاب اللغة وجعلها غير نقية وغير سليمة. وبذلك لم يكن العمل اللغوي في القرن الثاني الهجري محاولة لتسجيل جوانب الحياة اللغوية عند أبناء اللغة العربية أو محاولة لبحث جوانب التنوع اللغوي في الجزيرة العربية، بل كان محاولة للبحث عن الصيغ الفصيحة والكلمات الفصيحة عند القبائل العربية التي يقترب استخدامها للغة من المستوى اللغوي المنشود.

وقد أثمرت حركة جمع اللغة مجموعة من الكتب والرسائل اللغوية، لقد جمع تجنب اللغويون ما عرفته القبائل الفصيحة من ألفاظ، وصنفوها في مجموعات دلالية وألفوا في هذا مجموعة كبيرة من الكتب. ألف الأصمعي، ت ٢١٦هـ، في خلق الإنسان والإبل والخيل والوحش والنبات والشجر، وألف أبو زيد الأنصاري في اللبن والمطر والنبات والشجر، وظلت الرسائل هي الشكل الوحيد الذي اتخذته دراسة الألفاظ العربية من الناحية الدلالية وقتا طويلا، إلى أن برزت إلى الدوائر العلمية حركة تأليف المعاجم. وقد كان لما ألفه الأصمعي وأبو زيد الأنصاري ومن عاصرهما من اللغويين أكبر الأثر في المعاجم العربية وفي نظرية اللغة عند العرب بشكل عام.

لقد أخذ مؤلفوا المعاجم المادة التي دونها علماء القرن الثاني واحتفلوا بكل ما سجله الأصمعي وأبو زيد ومعاصروهما كل الاحتفال، ولذا تتكرر أسماء هؤلاء اللغويين في المعاجم اللغوية الكثيرة التي ظهرت في القرون التالية. وإذا كان هؤلاء اللغويون في القرن الثاني قد قصروا جهدهم على جمع الصيغ والدلالات الفصيحة أو القريبة كل القرب من الفصيحة فإن الأكثرية المطلقة من

<<  <   >  >>