للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصوتية التي يسمعها شيئًا فشيئًا، وما أن يكتمل تمييز الطفل بين هذه الأصوات وتكتمل قدرته على محاكاتها حتى يكون الطفل قد اكتسب الأساس الصوتي للغته الأم. وترتبط هذه المرحلة بملابسات استخدام كل كلمة وكل عبارة سمعها الطفل، فهو لا يسمع الأصوات المكونة للكلمات والعبارات مجردة عن سياقها، بل يسمع عبارات معينة في مناسبات محددة، وبذلك ترتبط كل كلمة وكل عبارة في عقل مكتسب اللغة أو مستخدمها بمواقف خاصة وظروف معينة. وما المعنى إلا حصيلة المواقف التي استخدم فيها الرمز اللغوي، ولذا فالوسيلة العلمية لمعرفة دلالة كلمة من الكلمات أو عبارة من العبارات تتلخص في بحث الظروف والملابسات التي استخدمت فيها الكلمة فاكتسبت معناها وقدرتها الإيحائية. وليست هناك أية علاقة طبيعية بين الرمز اللغوي ومدلوله في الواقع الخارجي، والعلاقة الوحيدة القائمة بين الرمز الصوتي اللغوي وما يدل عليه هي علاقة الرمز، فالكلمة ترمز إلى شيء مادي أو معنوي، وعلى هذا فلا علاقة طبيعية تربط الأصوات المكونة لكلمة منضدة في العربية أو كلمة Tisch في الألمانية وبين المنضدة كواقع مادي. والمنضدة في اللغة العربية كلمة مؤنثة، لا لأن هناك تأنيثًا في خشب المنضدة ولكن لأنها تنتهي بتاء، والتاء في العربية علامة تأنيث، فالتأنيث هنا ليس للمنضدة كواقع مادي ملموس بل لكلمة منضدة في اللغة العربية ويقابل هذه الكلمة بالألمانية كلمة der Tisch وهذه الكلمة الألمانية تصنف من المذكر. ولذا فتصنيف الكلمات في اللغة الواحدة يكوّن نظامًا لغويًّا مستقلا عن مدلولات هذه الأشياء في الواقع الخارجي، وكل ما يربط الكلمة بمدلولها هو علاقة الرمز. ويصدق هذا على كل ظواهر وكلمات اللغة الإنسانية، فاللغة لها نظامها الداخلي، وليس هذا النظام انعكاسًا مباشرًا للواقع الخارجي بل هو رؤية له بطريقة ما. وتصدق علاقة الرمز على كل الألفاظ في كل اللغات، فليست هناك علاقة طبيعية بين بعض الألفاظ ومدلولاتها في الواقع الخارجي.

وقد توهم البعض في عدد من الكلمات مثل: خرير، صهيل، هديل

<<  <   >  >>