محاكاة للطبيعة وأطلق ابن جني١ على هذه الكلمات اسم الأصوات المسموعات ويطلق على هذه الكلمات في الإنحليزية Onomatopoetic Words ولكن هذه الكلمات لا تختلف في شيء عن باقي كلمات اللغة من الناحية الدلالية، إذ إنها لم تكتسب قيمتها الرمزية إلا في بيئة لغوية محددة، فليست دلالات هذه الكلمات طبيعية مشتركة في كل اللغات، بل كل منها ذات إيحاء محدد في مجتمع لغوي بعينه دون غيره. فكلمة "خرير" تؤدي معناها في البيئة اللغوية العربية وتوحي فيها بصوت الماء المتدفق المتلاطم، ولكن هذه الكلمة ليست لها أية دلالة أو معنى أو قدرة إيحائية خارج البيئة اللغوية العربية. وربما توهم البعض وجود علاقة طبيعية بين معنى الإيجاب والموافقة وكلمة "أيوه" في اللهجة العربية القاهرية، والواقع أن هذه الكلمة لا توحي بهذا المعنى إلا في مجتمع يفهم اللغة القاهرية، ولو قيلت وحدها لمخاطب أمريكي لفهم منها اسم ولاية أمريكية ولو نطقت أمام ألماني لما فهم منها أي شيء على الإطلاق، وكل هذا يدل على ارتباط دلالة هذه الكلمة وغيرها من الكلمات بالاستخدام اللغوي في بيئة لغوية محددة، وليست هناك علاقة طبيعية بين الصوت اللغوي أو الكلمة ودلالتها. فالمعنى هو حصيلة استخدام الكلمة في البيئة اللغوية الواحدة.
وهناك تصور سائد في بعض البيئات المتحضرة وفي كل البيئات الأقل تحضرًا تجاه بعض الكلمات، فنطق كلمة بعينها عندهم يعني استحضار الشيء، وكأن الكلمة والشيء الذي تدل عليه يكونان وحدة طبيعية واحدة. ويؤدي هذا
١ عد ابن جني على هذه الكلمات - أصل اللغة "انظر: الخصائص١/ ٤٠" أما الاصطلاح الأوربي فيرجع إلى كلمة Onoma "وتعني في اليونانية اسم" + كلمة poesis "وتعني في اليونانية: حدث" وليس هناك شك في إيحاء هذه الكلمات، ولكن هذا الإيحاء نشأ عن الكلمة ولم تنشأ الكلمة من الصوت الموجود في الطبيعة، فصوت الكلب يطلق عليه في الإنجليزية " أمريكا" bowwow وفي فرنسا genaf-genaf وفي اليابان wam-wam ولا يمكن أن تكون كل هذه الكلمات معبرة عن الصوت الحقيقي لنباح الكلب، ومن ثم لا علاقة بين أية كلمة منها وبين صوت الكلب وعلى الرغم من هذا فهي في المثال السابق تشترك في كونها من مقطع متكرر.