البونية في هذه الفترة، ويبدو أن الازدواج اللغوي الحادث مع إقامة عدد من أبناء اللغة اللاتينية إلى جوار المتحدثين بالبونية قد أدى إلى ضعف النطق بأصوات الحلق في اللغة البونية الجديدة. وقد أمكن التعرف على هذه الظاهرة من النقوش البونية الجديدة. فكتابها يخلطون في التدوين بين الكلمات التي ينبغي أن تكتب بحرف العين والكلمات التي يجب أن تكتب بالهمزة، كما يخلطون بين الكلمات التي ينبغي أن تكتب بالحاء والكلمات التي ينبغي أن تكتب بالهاء، ويرجع هذا الخطأ في الكتابة إلى أنهم في النطق لم يكونوا يميزون بين العين والهمزة وبين الحاء والهاء، وفي عدد من النقوش البونية الجديدة تلاحظ مزيدا من الخلط بين الهاء والألف، وفي مرحلة متأخرة من تاريخ البونية الحديثة نجد الحروف التي كانت تستخدم قديما للتعبير عن أصوات الحلق تصبح وسيلة لكتابة الحركات القصيرة، ولا بد أن هذا حدث في فترة لم يعد أحد يحس فيها بأن هذه الحروف تعبر عن أصوات تنطق فعلا، فوجدوها بلا وظيفة فأفادوا منها لتدوين الحركات. ونلاحظ في هذه المحاولة التأثير المباشر لليونان واللاتين فقد قلدهم البونيون الخاضعون للرومان في كتابة الحركات داخل الكلمة على نحو ما فعل اليونان والرومان.
كان اليونان قد تعلموا في أثناء احتكاكهم بالفينيقيين حوالي القرن التاسع قبل الميلاد الكتابة الأبجدية. والكتابة الأبجدية الفينيقية امتداد مباشر للأبجدية الأجريتية. كان الأجريتيون قد بسطوا نظام الكتابة وجعلوها أبجدية. احتفظ الفينيقيون بفكرة النظام الأبجدي، غير أنهم عدلوا أشكال الحروف لتصبح سهلة في الكتابة. واحتفظ الفينيقيون في نفس الوقت بترتيب الحروف كما رتبها الأجريتيون. وعندما تعلم اليونان الكتابة من الفينيقيين بدأت أوربا حضارتها الراقية القديمة؛ ففي القرن التاسع قبل الميلاد كان عمر الحضارة في الشرق بضع آلاف من السنين وكان تاريخ الكتابة قد مر بمراحل متتابعة، ثم أخذ اليونان عن الفينيقيين فكرة التدوين الصوتي بالحروف، أي أنهم أخذوا الأبجدية. واحتفظوا أيضا بترتيب الحروف كما عرفه الفينيقيون، ولكن اليونان وجدوا مجموعة