هناك تقسيم مسبق لهذه المستويات. ولكن تحديد هذه المستويات اللغوية والتعرف على خصائصها ومجالات استخدام كل منها شرط أساسي لبحث العلاقات المتبادلة بين المستويات اللغوية المختلفة. لقد ثبت من أبحاث اللغوين الأوربيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أن القوانين الصوتية مطردة لا تعرف الشذوذ، ومعنى هذا أن التغير الصوتي يحدث في كل ألفاظ المستوى اللغوي. فإذا لاحظنا مثلا أن القاف الفصحى قد اختفت من لهجة القاهرة وحلت محلها الهمزة، فهذا قانون صوتي مطرد لا يعرف الشذوذ أو الاستثناء. ولكن رغم هذا نجد عدة كلمات تستخدم اليوم عند أبناء لهجة القاهرة وتحتفظ بالقاف مثل كلمتي القاهرة والقرآن. وهنا يتضح لنا السبب في احتفاظ الكلمتين بالقاف في ضوء التمييز بين مستويين لغويين اثنين، فكلمة القرآن لم تستخدم إلا على المستوى الثقافي فظلت تنطق بالقاف، ولذا لم يطبق عليها قانون تحول القاف إلى همزة. وكان مستخدم اللهجة المحلية يستعيض عن كلمة القرآن بكلمة مصحف أو ربعة، وعندما استعيرت كلمة القرآن من المستوى الثقافي إلى العامية احتفظت بصورتها القديمة ولم تتأثر بالقانون الصوتي الذي كان قد حول كل قاف إلى همزة. فالكلمة إذن مستعارة من الفصحى أو بالأحرى من المستوى الفصيح في الاستخدام اللغوي، وأما كلمة القاهرة فلم يكن استخدامها جاريًا في العامية لأن كلمة مصر حلت محلها في الاستخدام العامي. ولذا ظلت كلمة القاهرة على المستوى الفصيح فاحتفظت بصورتها الصوتية الفصيحة.
وتصدق قضية التمييز بين المستويات اللغوية المختلفة في كل البيئات اللغوية، ففي الكويت ومناطق الخليج العربي التي تستخدم الياء في مقابل صوت الجيم الفصحى نجد كلمات تنطق بالجيم، وليس في هذا ما ينقض كون القوانين الصوتية مطردة، فالقانون الصوتي الخاص بتحول الجيم الفصحية إلى ياء في هذه اللهجات خاص بمستوى الألفاظ الأساسية، وليست له علاقة بالألفاظ الهابطة من الفصحى إلى هذه اللهجات. لقد تحولت الجيم الفصحى إلى ياء في كل الألفاظ الأساسية في اللهجة، مثال ذلك الكلمات: جاء يا، واجد وايد