للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويبدو أن التوافق الحركي كان يميز بعض اللهجات عن البعض الآخر. فبعض اللهجات كان يعرف التوافق الحركي على هذا النحو الذي تعرفه العربية الفصحى. ولكن لهجة الحجاز كانت بعيدة عنه كل البعد كما نرى في نص سيبويه عن التوافق الحركي بعدها عن الإمالة. فالحجازيون كانوا لا يقولون "بِهِ" بكسر الهاء، بل قالوا "بِهُ" بضمها، أو كما كتب في كتاب سيبويه "بِهُو" وكانوا يقولون "لديهو" بواو مسبوقة بضمة. ولم يقتصر الأمر على هذا، بل إن قراءاتهم للقرآن الكريم كانت تعكس لهجتهم المحلية التي لا تعرف التوافق الحركي، فبينما كان غيرهم يقرأ: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} بكسرة بعد الهاء كان الحجازيون يستخدمون الضم دون أن يستشعروا حاجة إلى التوافق الحركي.

ويبدو أن التوافق الحركي كان من خصائص لهجة تميم، وهو ما نجده في الفصحى بينما كانت لهجة الحجاز بعيدة عن التوافق الحركي. ولكن بعض اللهجات مضت في التوافق الحركي شوطًا أبعد مما تعرفه اللغة الفصحى. يقول سيبويه: "واعلم أن قومًا من ربيعة يقولون: مِنْهِمِ، بكسر الميم والهاء والميم أتبعوها الكسرة، ولم يكن المسكن حاجزا عندهم. وهذه لغة رديئة، إذا فصلت بين الهاء والكسرة فالزم الأصل"١.

فلهجة ربيعة كانت تستخدم صيغة، مِنْهِمِ، بكسر الهاء والميم، بينما لا تعرف الفصحى اليوم إلا ضم الهاء وضم الميم، وهو ما قرره سيبويه أيضًا، فلهجة ربيعة تمثل طورًا أبعد من الفصحى في التوافق الحركي. فالكسرة بعد الميم في: مِنْهِمِ، جعلت حركتي الضمير كسرتين رغم البعد. وهنا يظهر سيبويه الذي يريد أن يشرع للحياة اللغوية فيقول وهذه لغة رديئة.

لاحظ سيبويه أيضا وجود التوافق الحركي في بعض أبنية الأسماء، يقول سيبويه: وفي: فَعِيل، لغتان، فَعِيل، وفِعِيل. إذا كان الثاني من الحروف الستة


١ الكتاب ٢/ ٢٩٤.

<<  <   >  >>