للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغوي من شاعر لآخر في إطار المستوى اللغوي الواحد فإن الطبيعي أن يكون ترتيل القرآن بهذه اللغة الفصحى التي يحترمها ويتعامل بها أبناء القبائل المختلفة في الأمور الجادة. وإذا كان القرآن ينص على أنه "بلسان عربي مبين" فمن غير المتوقع أن يكون بعد هذا ذا لون محلي والأقرب إلى طبيعة الأمور أن تكون قراءة القرآن وأن يكون الاستخدام اللغوي في القرآن مطابقًا بصفة عامة للمتعارف عليه في اللغة الفصحى آنذاك.

لقد عرفت اللهجات القديمة مجموعة من الظواهر المغرقة في المحلية مثل الكشكشة والكسكسة والعجعجة. إلخ. والمقصود بالكشكشة إبدال الشين من كان الخطاب المؤنثة فبدلا من "عليك" يكون نطق هذه الكلمة في اللهجات التي تعرف الكشكشة "عليش"، وبالمثل "منش" و "بش". وهنكا أشكال للكشكشة لا تزال مسموعة في اللهجات البدوية الحالية. وقريب من الكشكشة ظاهرة الكسكسة وهي استخدام السين مع ضمير المؤنث بديلا للكاف أو ملحقة بالكاف، فبدلا من: "رأيتك" تكون الصيغة عند بعض القبائل "رأيتكس"، وبدلا من "أخوك" تنطق بعض القبائل "أخوس". أما العجعجة فهي ثمرة اختلاط نطق الجيم مع نطق الياء فبدلا من "تميمي" كانت بعض القبائل تقول "تميمج"١. فهذه الظواهر الصوتية المحلية كانت مما أثار انتباه اللغويين العرب. ولكن الشواهد التي جاءوا بها لبيان هذه الخصائص شواهد شعرية محدودة العدد تتكرر في كل الكتب، وكأنها انعكاس خافت للهجات المحلية. وبغض النظر عن هذه الظواهر المحدودة الأثر في الشعر الجاهلي فإن لغته لا تختلف باختلاف القبائل، ويبدو أن اللغة الفصحى وفق ما تعارف عليه القوم آنذاك كان ينبغي لها أن تخلو من مثل الظواهر المحلية. ولذا كان من الطبيعي أن يحاول المسلمون في صدر الإسلام تجنب استخدام هذه


١ انظر "الصاحبي في فقه اللغة" لابن فارس ص٥٢-٥٤.
وكذلك: السيوطي: المزهر ١/ ٢٢١–٢٢٢.

<<  <   >  >>