للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السمات المغرقة في المحلية في قراءتهم للقرآن الكريم، وأن يكون المثل اللغوي المنشود في لغة القرآن الكريم بعيدًا عن المحلية في الخصائص اللغوية بمثل ما هو بعيد عن المحلية في المضمون الفكري. ولذا فليس من الممكن تصور أن لغة القرآن الكريم تعكس لهجة الحجاز وأية لهجة أخرى، بل الأقرب إلى واقع الأمر أن يكون بتلك اللغة الفصيحة المحترمة من الجميع.

لقد شك فولرز في كون اللغة المنطوقة في فجر الإسلام ذات نظام إعرابي واضح المعالم، وظنها تخلو من النهايات الإعرابية. وقد ورد نولدكه على فولرز بمجموعة من الأدلة اللغوية مثبتًا عدم صحة ما قال به فولرز١. فعلامات الإعراب رفعًا ونصبًا وجرًّا مطردة في اللغة الأكاديمة على نحو اطرادها في لغة الشعر الجاهلي والقرآن الكريم ولغة القبائل التي أخذت عنها شواهد كتب النحو. والصحيح أن العربية ورثتها كما ورثتها الأكادية عن اللغة السامية الأولى. وقد بقيت من علامات الإعراب في اللغة الحبشية علامة النصب، وهي تطابق تمام المطابقة علامة النصب في العربية فما جاء عند النحاة العرب يعد تسجيلا لواقع يفسره ما جاء في النقوش الأكادية والنصوص الحبشية. وإذا كانت ثمة شك في الحركات النهائية للفعل الماضي، فهو ينتهي مثلا بالفتحة في "كتب" بينما ينتهي دون هذه الفتحة في اللهجات العربية، فإن العربية الفصحى كانت تعرف نهاية هذه الصيغة بالفتحة كما تعرفها اللغة الأمهرية إلى اليوم. لقد أثبت "نولدكه" أن الشك في النهايات الإعرابية للأسماء أو الحركات النهائية للأفعال لا يقوم على دليل، وأثبت بمقارنة العربية بالأكادية بالحبشية من هذا الجانب أن هذه النهايات لا يمكن أن تكون من صنع النحاة، بل كان جهد النحاة تسجيلا لها كما وجدوها في الشعر الجاهلي والإسلامي وفي القرآن الكريم وعند القبائل المعترف بفصاحتها.


١ انظر: رد "نولدكه" على فولرز في المقال التالي:
Das Kiassische Arabisch und die arabischen Dialekte, in: Beitrage zur semitischen Sperachwissenschaft, ١٩١٠

<<  <   >  >>