مناطق لم تكن مجالا لها من قبل. لقد هاجرت هذه القبائل واستقرت في الأمصار المفتوحة داخل معسكرات، ثم أدى اختلاط هؤلاء العرب الوافدين مع السكان الأصليين في هذه المناطق إلى تعريف العراق والشام شيئًا فشيئًا كانت اللهجات الآرامية المختلفة تسود الحياة اللغوية في هذه المناطق، وهي لهجات قريبة من الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية من اللغة العربية، فالآرامية لغة سامية مثل العربية، ولذا لم يكن التحول من الآرامية إلى العربية أمرًا صعبًا. وليس معنى هذا أن التحول اللغوي تم دون صعوبات، بل لا تزال هذه الصعوبات النسبية واضحة في التأثيرات الآرامية في اللهجات العربية في هذه المناطق. لقد سهل عليهم أن يتحولوا من الآرامية إلى العربية، ولكن عربيتهم تأثرت بالآرامية فاختلفت عن عربية البدو في الجزيرة العربية.
ولكن درجة التعريب في الشام والعراق اختلفت من منطقة لأخرى ومن جماعة بشرية لأخرى فالمناطق السهلية تعربت على نحو أسرع من تعريب المناطق الجبلية، ولا تزال المناطق الجبلية في شمال العراق وفي بعض أنحاء منطقة الشام تضم جماعات لغوية احتفظت بلغتها القديمة منذ الفترة السابقة على الفتح الإسلامي، فالأقليات الآرامية في هذه المناطق تعيش في مناطق جبلية وعرة، وكأن صعوبة الاتصال بهذه المناطق قد حال دون تعريبها. فلم تصل الهجرات العربية إلى هذه المناطق الوعرة، وبذلك ظلت بعيدة عن تأثيرات التعريب وقتًا طويلًا، ولا يزال بعضها محتفظًا بلغته القديمة إلى اليوم.
ولم تقتصر الهجرات في المشرق على الشام والعراق، بل امتدت أيضًا إلى أنحاء الدول الفارسية التي دخلت في إطار الدول الإسلامية المنتصرة. فإذا كانت المصادر تشير إلى وجود جماعات عربية على الساحل الإيراني للخليج منذ العصر الجاهلي فإن عدد هذه الجماعات العربية زاد في صدر الإسلام بإطراد الهجرات زيادة ملحوظة. فقد هاجرت قبائل من عبد القيس كانت تقيم في منطقة ساحل عمان إلى إيران عن طريق الخليج، استقرت بعض هذه القبائل على الساحل