للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متعلقون في مخاطباتهم وكتبهم باللفظة الغريبة والحرف الشاذ، ليتميزوا بذلك من العامة ويرتفعوا عن الأغبياء عن طبقة الحشو.... فجمعت في كتابي هذا لجميع الطبقات أجناسًا من ألفاظ كتاب الرسائل والدواوين والبعيدة من الاشتباه والالتباس، السليمة من التقعير، المحمولة على الاستعارة والتلويح على مذاهب الكتاب وأهل الخطابة، دون مذاهب المتشدقين والمتفاصحين،.... ولا غنى بالكاتب البليغ ولا الشاعر المفلق ولا الخطيب المصقع عن الاقتداء بالأولين والاقتباس من المتقدمين١....

ويبدو من مضمون هذا الكتاب أنه تعليمي انتقائي وأن المؤلف يعتبر اللغة العربية مما ينبغي أخذه تعلمًا، واللغة العربية هنا هي لغة الكتابة التي تبعد عن التشادق والغريب وترتفع عن الكلام العامي. فلم تعد محاكاة البدو في تشادقهم أمرًا محمودًا، ولم يعد الاختلاط بهم وسيلة تعلم اللغة. فالهمذاني يرى أن قراءة كتب تعليم اللغة هي الطريق إلى استخدام العربية في الكتابة، وها هو يقدم مجموعة من التعبيرات المختلفة في كل موضوع، فهو يذكر في معنى "صلح الشيء" ما يأتي: "وإذا صلح الفاسد قلت استقام المائل، وانشعب الصدع، وانجبر الوهي، وانحسم الداء، ارتفق الفتق، واعتدل الميل، واندمل الكلم". وعلى هذا النحو ذكر الهمذاني في كل باب التعبيرات المختلفة، وقد اعتمد الهمذاني في انتقائه مادته من البدو وإنما هي "متخيرة من بطون الدفاتر، ومصنفات العلماء"٢. وهذا تعبير عن موقف جديد، فاللغة العربية أصبحت لغة كتابة، وأصبحت تطويرها مرتبطًا باستخدامها على المستوى الإداري والثقافي، ولم تعد لغة بعض القبائل هي الفيصل، لم يذكر الهمذاني الأعراب الفصحاء كما كان لغويو القرن الثاني يذكرونهم في فخر واعتزاز.


١ انظر مقدمة الألفاظ الكتابية للهمذاني.
٢ انظر مقدمة الألفاظ الكتابية ص VIII.

<<  <   >  >>