للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغة عربية"١. وعندما يلاحظ المقدسي أن تلك اللهجات العربية التي أشارت إليها كتب اللغة كانت لا تزال حية في بوادي الجزيرة العربية ذكر ذلك٢، ولاحظ أن أقرب اللهجات العربية من الفصحى هي لهجات "هذيل ونجد وبقية الحجاز إلا الأحقاف فإن لسانهم وحش"٣. فهذه اللهجات كانت قريبة من الاستخدام اللغوي الفصيح.

فضل المقدسي الاستخدام اللغوي في مشرق الدولة الإسلامية على باقي أنحائها. والمقصود بالمشرق عنده المنطقة الواقعة شرقي العراق، وتضم إيران والمناطق التي بعدها. يقول المقدسي في تفسير ذلك: "لأنهم أصح الناس عربية؛ لأنهم تكلفوها تكلفا وتعلموها تلقفًا"٤. ومعنى هذا أن اللغة العربية المنشودة في رأي المقدسي كانت لغة تؤخذ بالتعليم لا بالسليقة، ولذا فلم يبرز فيها أبناء الجزيرة العربية، بل اهتم بتعلمها المهتمون بذلك من أبناء لغات أخرى، فأجادوا العربية الفصحى وامتازوا بها. وعندما ذكر المقدسي إقليم العراق والمقصود به جنوب ووسط العراق – لاحظ كثرة اللهجات في هذه المنطقة وهي لهجات "حسنة فاسدة" أي حسنة نطقًا فاسدة نحوًا. لقد فضل المقدسي لهجة الكوفة عن باقي لهجات العراق، وفسر هذا بأن سكان الكوفة قريبون من البادية بعيدون نسبيًّا عن المنطقة اللغوية الآرامية. يقول المقدسي: "لغاتهم مختلفة، أصحها الكوفية لقربهم من البادية وبعدهم عن النبط، ثم هي بعد ذلك حسنة فاسدة، بخاصة بغداد، أما البطائح فنبط لا لسان ولا عقل"٥. ويبدو أن المقصود بالبطائح المناطق الزراعية السهلة، وأن اللهجات الآرامية كانت لا تزال مسموعة في هذه الأنحاء وقد قارن المقدسي لهجة شمالي العراق بلهجات الشام


١ المقدسي ٩٦.
٢ المقدسي ٩٧.
٣ المقدسي ٩٧.
٤ أحسن التقاسيم ٣٢.
٥ المقدسي ١٢٨.

<<  <   >  >>