للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولاحظ أن "لغتهم لغة حسنة، أصح من لغة الشام لأنهم عرب، أحسنها الموصلية"١ ويبدو أن المقصود بهذا أن اللهجة الموصلية كانت أقرب إلى الفصحى من لهجات الشام. وفي كل هذه المنطقة كاد استخدام اللغة الفصحى يكون مقصورًا على التأليف والتدوين والإبداع الفني، ولم تكن لغة حديث عادي بين المثقفين، يقول المقدسي: "وكنت إذا حضرت مجلس قاضي القضاة في بغداد أخجل من كثرة ما يلحن، ولا يرون ذلك عيبًا"٢. فالعربية الفصحى كانت قد استقرت آنذاك لغة ثقافة، أجادها أيضًا مؤلفون من غير أبناء اللغة العربية، ومن لم يعتمد إجادتها لم يستطع حسن استعمالها.

وعندما زار المقدسي مصر والمغرب والأندلس لاحظ وجود لغات أخرى إلى جانب العربية. قال المقدسي عن مصر: "لغتهم عربية غير أنها ركيكة رخوة وذمتهم يتحدثون بالقبطية"٣. ومعنى هذا أن اختلاف اللهجة العربية في مصر عن الفصحى جعل المقدسي يصفها على هذا النحو، وفي القرن الرابع الهجري كانت مصر قد قطعت في التعريب شوطًا بعيدًا كاد أن يكون حاسمًا، لكن المقدسي لاحظ معرفة بعض أهل الذمة وبالتحديد بعض المسيحيين، بالقبطية فسجل هذا. وذكر المقدسي أيضًا أن اللهجة العربية في المغرب والأندلس "منغلقة مخالفة لما ذكرنا في الأقاليم" ثم ذكر أيضًا أن "لهم لسانا آخر يقارب الرومي".

"والغالب على بوادي هذا الإقليم البربر.... لا يفهم لسانهم"٤. ففي ذلك الوقت كانت موجة بني هلال وبني سليم لم تصل بعد، وكانت اللغة البربرية لا تزال تسود منطقة كبيرة من المغرب.

وقد فصل المقدسي الكلام عن اللغات الموجودة في المناطق غير العربية في


١ المقدسي ١٤٦.
٢ المقدسي ١٨٣.
٣ المقدسي ٢٠٣.
٤ المقدسي ٢٣٤.

<<  <   >  >>