للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمر بن الخطاب هجّر ثلث قبيلة قضاعة إلى مصر، فقد ذكر المقريزي أن بلى قبيلة عظيمة فيها بطون كثيرة، وكانت بلى بالشام، فنادى رجل من بلى بالشام: "يا لقضاعة! فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عامل الشام أن يسير ثلث قضاعة إلى مصر". وواضح من هذا الخبر أن عمر بن الخطاب رأى في الظروف التي أدت إلى استصراخ القبيلة وحدوث ذلك رده نحو عصبية قبلية كامنة، فكان تهجير ثلث القبيلة إجراء سياسيًّا يهدف إلى كسر حدة تكتل "قبيلة عظيمة فيها بطون كثيرة"، وهكذا جاءت هذه الموجة أرض مصر.

وقبيلة قضاعة هذه مختلف في نسبتها إلى عرب الشمال أو عرب الجنوب. يقول ابن حزم: "وأما قضاعة فمختلف فيها، يقولون: هو قضاعة بن معد بن عدنان، وقوم يقولون: هو قضاعة بن مالك بن حمير" ويشير ابن حزم بعد ذلك إلى كتب بطليموس وكتب العجم التي تذكر قضاعة وتحدد مواضعها، قال: "وبلاد قضاعة متصلة بالشام، وببلاد يونان والأمم التي بادت ممالكها بغلبة الروم عليها وببلاد عدنان، ولا تتصل ببلاد اليمن أصلًا١" والواقع أن المصادر المتاحة لا تمكننا من الفصل في قضية أصل قضاعة، وأغلب الظن أن قضاعة من أصل جنوبي، وأنها قد هاجرت مع تلك القبائل العربية الجنوبية التي هاجرت إلى الشمال بعد انهيار سد مأرب، وأن قضاعة قد تعربت في مهجرها إلى الشمال بعربية الشمال تعربا ترك بعض السمات غير الشمالية في لهجتها، الأمر الذي جعل اللغويون ينصون على إعراضهم عن الاستشهاد بلغتها، ولو كانت لغتها جنوبية لما فكر فيهم أحد رفضًا أو قبولًا. ذكر الفارابي٢ أنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام، فإنهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط، ولا من قضاعة ولا من غسان ولا من إياد فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام.


١ ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص٨ وقارن ٤٤٠.
٢ النص مقتبس عن كتاب الاقتراح للسيوطي ص ١٩.

<<  <   >  >>