للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكثرهم نصارى يقرءون في صلاتهم بغير العربية" فعربيتهم لم تكن إذن عربية جنوبية، بل كانت عربية شمالية مشوبة. هذا وقد كان اعتماد ابن مالك على لغة لخم وقضاعة وغيرهم مما أثار عليه نقد أبي حيان النحوي: "وليس ذلك من عادة أئمة هذا الشأن١" وينبغي لكل هذا ألا نبالغ في تصور الأثر الجنوبي في تعريب مصر، فهذه القبائل وإن كان بعضها -على ما يرجح من أصل جنوبي، فإنها كانت من الناحية اللغوية قد تعربت- بصفة عامة بعربية الشمال، قبل أن تخرج بإرادتها أو بأمر الخليفة مهاجرة إلى مصر، وهذا لا ينفي الانتماء الشعوري لهؤلاء، ولا ينفي ترابط القبائل ذات الأصل الجنوبي في عصبية واحدة جمعتهم فترة ما قبل أن يذوبوا مع السكان الأقدمين في مصر.

وفي العصر الأموي حاولت الدوائر الحاكمة إحداث توازن بين عرب الشمال وعرب الجنوب في مصر، والمضي قدمًا في تعريب مصر، فنقلت عدة قبائل شمالية إلى مصر كي تحقق توازنًا مع هؤلاء الذين احتفظوا في وجدانهم الجماعي بأصولهم الجنوبية، وكي تمضي عملية التعريب في مصر على نحو أسرع. فتهجير قبائل شمالية إلى مصر إجراء سياسي اتخذه الخليفة هشام بن عبد الملك سنة ١٠٩ هجرية، ذكر المقريزي: "وكان نزول سليم وعدة قبائل من قيس في أرض مصر سنة تسع ومائة.... ولم يكن بأرض مصر أحد من قبس قبل ذلك إلا من كان من فهم وعَدْوَان فإنهما من قيس".

وقد ذكر المقريزي أن هذا القرار السياسي ثم استجابة من الخليفة لرغبة عامل خراج مصر، إذ سأله أن ينقل إليها من قيس أبياتا، فأذن له هشام في الحاق ثلاثة آلاف منهم، وتحويل ديوانهم إلى مصر، على أن لا ينزلوا بالفسطاط.... فأنزلهم الحوف الشرقي وفرقهم فيه"٢. وفي موضع آخر ذكر المقريزي أنهم نزلوا منطقة بلبيس، وهذا ما يدفعنا إلى افتراض أنهم نزلوا المنطقتين،


١ الاقتراح للسيوطي ص٢٠.
٢ المقريزي: البيان والإعراب ص٦٦.

<<  <   >  >>