للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل تشابه بعض اللهجات في الشرقية مع لهجات في الصعيد إنما يرجع إلى هجرة نفس القبائل إلى كلتا المنطقتين.

واستمرت هجرات عرب الشمال إلى مصر في العصر الطولوني. فنزلت قبائل من اليمامة في صعيد مصر في العقد الخامس من القرن الثالث الهجري، وفي هذا يقول المقريزي: "كانوا ينزلون اليمامة وقدموا مصر في خلافة المتوكل على الله أعوام بضع وأربعين ومائتين في عدد كثير، وانتشروا في النواحي، ونزل طائفة منهم بأعلى الصعيد، وسكنوا بيوت الشعر في براريها الجنوبية وأوديتها".

وفي العصر الفاطمي عرفت مصر موجتين بشريتين عربيتين، لهما أهمية كبرى في تاريخ التعريب في مصر والسودان والمغرب، لقد هاجرت إلى مصر "جهينة"، كما هاجر إليها بنو هلال وبنو سليم.

أما عرب "جهينة" الذين تنتسب إليهم اليوم، أكثر قبائل السودان العربية، فقد نقلوا إلى مصر بقرار سياسي اتخذه الساسة الفاطميون، يقول المقريزي: "وأما جهينة فإنها من قبائل اليمن.... وهي قبيلة عظيمة وفيها بطون كثيرة..... وكانت مساكنهم في بلاد قريش، فأخرجتها قريش بمساعدة عسكر الفاطميين، ونزلوا في بلاد إخميم أعلاها وأسفلها". وهكذا كان تهجير عرب "جهينة" قرارًا سياسيًّا اتخذه الفاطميون فأسهم في إضافة عنصر عربي إلى مصر.

وكانت العوامل السياسية كذلك وراء تهجير بني هلال وبني سليم إلى مصر وإخراجهم منها بعد ذلك، وكانت هذه الموجة العربية الشمالية مثار اهتمام ابن خلدون، وهو مصدرنا الأول في دراسة هذه الهجرة الضخمة ذات العدد الوفير. يذكر ابن خلدون أن "بطون هلال وسليم كانوا يجوبون قفر الحجاز ونجد.... فبنو سليم مما يلي المدينة، وبنو هلال في جبل غزوان عند الطائف، وربما كانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء أطراف

<<  <   >  >>