للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وربما يتصور البعض في مصر أو في العراق أن هذه الضاد التي تنطق اليوم هي الضاد التي كان ينطقها امرؤ القيس أو زهير قبل الإسلام، أو كعب بن زهير في صدر الإسلام، أو الخليل بن أحمد في القرن الثاني للهجرة، وهذا غير صحيح، فالنطق العراقي الحالي للضاد يخلطها مع الظاء خلطًا يجعل التلاميذ يخلطون في الكتابة بين هذه وتلك. وهذه الظاهرة ليست وليدة الساعة بل بزغت مع استقرار العربية في العراق، وهناك عدد كبير من الرسائل أكثرها من العراق والمغرب يحاول مؤلفوها فيها التمييز بين الكلمات ذات الضاد والأخرى ذات الظاء، ولولا الخلط لما كانت هناك صورة لتأليف هذه الرسائل١.

لقد التقت الضاد والظاء في العراق في نطق واحد هو النطق الذي يسمعه أبناء مصر ظاء، أما في مصر فهناك تطور مواز، فقد التقت الضاد والظاء في نطق واحد، فنحن نقول اليوم كلمة "ظل" في العامية كما لو كانت بالضاد. ولسنا نريد الآن تحديد زمن هذا الخلط، وقصارى محاولتنا هنا أن نبين أن هذا النطق الذي يتصوره بعض أبناء مصر نطقًا قديمًا للضاد ليس كذلك، فهذا النطق الحديث يجعل من الضاد صوتًا مطبقًا مقابلا للدال. ولكن سيبويه جعل المقابل المطبق للدال هو الطاء لا الضاد. وهنا وجه الخلاف بين القديم والحديث، فالإطباق في اصطلاح علماء الأصوات العرب القدامى والمعاصرين اتخاذ طرف اللسان وأقصاه وضعا مرتفعا نحو الحنك الأعلى مع حدوث تقعر في وسط اللسان. ولو طبقنا الفهم العلمي الدقيق لنصوص سيبويه على البحث الصوتي لخرجنا من هذا أن النطق القديم للطاء "ط" هو ما ينطبق تماما على النطق الحالي للضاد في مصر، فالضاد في مصر تنطق مثل الدال، اللهم إلا أن الضاد مطبقة والدال غير مطبقة، وقديمًا قال سيبويه "ولولا الأطباق لصارت الطاء دالا.... ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس شيء في موضعها غيرها"٢ لقد حدث.


١ رمضان عبد التواب: مشكلة الضاد وتراث الضاء والظاء، في: مجلة المجتمع العلمي العراقي "١٩٧١" وبه قائمة بهذه المؤلفات في الفرق بين الضاد والظاء.
٢ الكتاب ٢/ ٤٠٦.

<<  <   >  >>