ولكن العربية لم تكتف باستخدام الكلمة بل كونت منها كلمات جديدة، صاغت الفعل "تفلسف" وصاغت كلمة "فلسفة" وكلمة "المتفلسفة"، وكل هذه الكلمات صيغت وفق الضوابط العربية من المادة الأجنبية. وقد دخلت معظم الألفاظ اليونانية إلى العربية عبر اللهجات الآرامية التي سادت الشام والعراق قبل الإسلام، ولا سيما السريانية التي حملت ثقافة اليونان إلى العرب.
وبجانب هذا فهناك عدد كبير من الألفاظ الآرامية الدخيلة في العربية. إن حياة البادية القديمة لم تكن تعرف زراعة التفاح أو التوت أو الجميز أو الحمص أو الخوخ أو الرمان أو الفستق، لم تعرف البادية هذه الثمار إلا عن طريق المناطق الزراعية في الشام والعراق وكانت هذه المناطق آرامية، وعندما تعربت هذه المناطق احتفظت بهذه الكلمات للتعبير عن تلك السلع، وهذه كلمات آرامية استقرت في العربية١.
وشبيه بهذه كلمة "باب" لقد أخذت من الكلمة الآرامية "بابا" والألف الأخيرة أو بمعنى أدق الفتحة الطويلة الأخيرة علامة التعريف الآرامية، ومعنى "بابا" الآرامية: شق، فراغ، خرق، قطع، قسم. وقد دخلت هذه الكلمة اللغة العربية بصيغتين، باب وبابه "نقلا عن بابا" ولها في العربية نفس المعاني: فهذا باب البيت وهذا باب للخروج من المأزق، وهذا باب في كتاب، هذا وقد استخدم ابن دانيال في خيال الظل مصطلح "بابه" للتعبير عن القسم أو الفصل إن الكلمات الآرامية الدخيلة في العربية كثيرة متنوعة وكثير من الألفاظ دخل من اليونانية عبر الآرامية، لذا فدراسة الآرامية تفسر لنا كثيرا من جوانب تاريخ المفردات العربية.
كان شأن الألفاظ القبطية في مصر شبيها بالآرامية في الشام والعراق، ولذا فقد دخل اللهجة العربية في مصر عدد كبير من الألفاظ القبطية، فأسماء
١ حول الألفاظ الآرامية الدخيلة في العربية: S. Frankel, Die, aramaischen fremdworter im Arabischen, Leiden ١٩٧٨.