للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لك في التركية وهو يفيد المكانية، فالسلاملك مكان السلام، والحرملك مكان الحريم، والسلاحلك مكان السلاح. وهناك ألفاظ صيغت في العهد التركي في مصر من عناصر فارسية، فنحن نعرف "مدرسة المبتديان" بالقاهرة، وقد أسست في القرن الماضي حاملة هذا الاسم. وكلمة المبتديان ذات نهاية فارسية خاصة بالجمع، وعلى هذا فهي "مدرسة المبتدئين"، وما زلنا نستخدم عبارة "كبير الياوران" ولا ننزعج من استخدام الألف والنون في المضاف إليه، وهذا لأن كلمة الياوران ليست إلا جمعًا، والجمع هنا بالنهاية الفارسية آن، وقد كانت الفارسية لغة يعرفها المثقفون في الدولة العثمانية، وكانت تدرس كلغة كلاسيكية. في بعض معاهد العلم في مصر في القرن الماضي حتي دخول الإنجليز.

كانت التركية أيضًا المعبر الذي انتقلت عليه ألفاظ أوروبية مختلفة إلينا، فنحن نعرف كلمة وابور وأصلها كلمة Vapour فكيف تحولت الـV إلى واو؟ الواقع أن هذا يفسر عن طريق استخدام الترك للخط العربي، فقد عبروا بحرف الواو عن صوت V في لغتهم فإذا أرادوا كتابة كلمة تركية أو أجنبية بها صوت V كتبوها باستخدام الواو، وعلى هذا فقد كتبوا كلمة وابور هكذا، ونطقوها كما لو كانت "فابور" ثم انتقلت الكلمة بصورتها المكتوبة إلى العربية فنطقت "وابور" أو اعتقد المتحدث العربي آنذاك أن أصلها واو لم يستطع التركي نطقها. ومن ثم دخلت الكلمة العربية بالواو. وشبيه ما نراه في كتب القرن التاسع عشر عندما يكتبون اسم "فينا" بالواو، أي "وينا"، وهذه الظاهرة تفسر لنا وجود بعض أسماء الأعلام في العربية، لقد أخذ الترك عن العرب اسم "توحيدة" ولكنهم نطقوا الواو كما لو كانت ف V ولم ينطقوا بصوت الحلق الحاء فهو لا يوجد في لغتهم، لقد نطقوا كلمة توحيدة كما لو كانت "تفيدة"، ومن هنا ظهر في العربية اسم جديد هو "تفيدة".

وهكذا عاشت العربية وتطورت بنيتها في تفاعل دائم مع طبيعة العلاقات الاجتماعية والحضارية والسياسية والدينية التي سادت في المجتمع العربي عبر التاريخ.

<<  <   >  >>