للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلوم الدينية تشغل حيزًا كبيرًا من الاهتمام العلمي في مجال الحضارة الإسلامية. وكان الاهتمام بعلوم اللغة جزءًا من الدراسة الهادفة إلى التعمق في الدين. فعندما صنف الخوارزمي العلوم التي عرفتها الحضارة الإسلامية جعلها في مجموعتين: العلوم الشرعية وما يقترن بها من العلوم العربية، ثم: علوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم١. ونجد في مقدمات كتب كثيرة إشارات إلى أن الدراسة اللغوية أداة من أدوات فهم نصوص القرآن والحديث، فابن القوطية -مثلا- قدم لكتابه الأفعال بأنها: أصول مباني أكثر الكلام ... وبعلمها يستدل على أكثر علم القرآن والسنة٢. وقد عد ابن خلدون معرفة: علوم اللسان العربي ضرورية على أهل الشريعة إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب، ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغاتهم٣. وعندما قسم ابن خلدون العلوم إلى علوم مقصودة بالذات وعلوم آلية، عد علوم اللغة من العلوم الآلية باعتبار أنها مجرد وسيلة لفهم العلوم الشرعية، ولذا فالبحث اللغوي عند ابن خلدون ليس هدفًا في ذاته٤ بل إنه يرى: الاشتغال بهذه العلوم الآلية تضييعًا للعمر وشغلا بما لا يعني.٥ وتتضح هذه الفكرة عند التهانوي الذي جعل علم اللغة من فروض الكفاية التي تسقط عن الكل إذا قام بها البعض، فعلم اللغة لم يكن مستقلا بذاته، ولم يكن إلا وسيلة لفهم النصوص الدينية. أو كما يقول التهاوني: آلة لتحصيل العلم بالشرعيات٦ وتوضح هذه النصوص موقفا عاما من علوم اللغة في إطار


١ مفاتيح العلوم، ط القاهرة ١٣٤٢، ص٤.
٢ كتاب الأفعال لابن القوطية، تحقيق: علي فودة ١٩٥٢، ص١.
٣ مقدمة ابن خلدون ١٢٥٤. ط وافي - القاهرة ١٩٦٢.
٤ مقدمة ابن خلدون ١٢٣٨
٥ مقدمة ابن خلدون ١٢٣٩، وقد ردد هذه الفكرة حسين المرصفي في الوسيلة الأدبية ط ٢/ ١٩٢٤، ١/ ١٠٦
٦ يقول التهانوي: الأصل هو العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع الأمة وآثار الصحابة...... والتعلم بعلم اللغة التي هي آلة لتحصيل العلم بالشرعيات....... كلها من فروض الكفاية..... وعلم الطب من فروض الكفاية أما التعمق في الطب فليس بواجب.
انظر: كشاف اصطلاحات الفنون ١/ ٧٣. ومنطلق فكرة التهانوي في تصنيفه للعلوم هو اعتبار الدنيا مرحلة إلى الآخرة، وأن العمل من أجل الآخرة هو طريق الصلاح في الدنيا، "الآخرة سبب استقامة الدنيا وفي استقامتها استقامتها"، المرجع المذكور١/ ٧٤.

<<  <   >  >>