للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا غرو من أن يأتي القرآن وافيًا بجميع مطالب الحياة الإنسانية على الأسس الأولى للأديان السماوية: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} ١..

وتحدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العرب بالقرآن، وقد نزل بلسانهم، وهم أرباب الفصاحة والبيان، فعجزوا عن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، فثبت له الإعجاز، وبإعجازه ثبتت الرسالة.

وكتب الله له الحفظ والنقل المتواتر دون تحريف أو تبديل، فمن أوصاف جبريل الذي نزل به: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} ٢, ومن أوصافه وأوصاف المنزل عليه: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ, ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ, مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ, ومَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ, وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ, وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} ٣، {إَنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٍ, فيِ كِتَابٍ مَّكَنُونٍ, لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّروَنَ} ٤..

ولم تكن هذه الميزة لكتاب آخر من الكتب السابقة لأنها جاءت موقوتة بزمن خاص، وصدق الله إذ يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ٥.

وتجاوزت رسالة القرآن الإنس إلى الجن: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ, قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ, يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} ٦..

والقرآن بتلك الخصائص يعالج المشكلات الإنسانية في شتى مرافق الحياة، الروحية والعقلية والبدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية علاجًا حكيمًا، لأنه تنزيل الحكيم الحميد، ويضع لكل مشكلة بَلْسَمَها الشافي في أسس عامة،


١ الشورى: ١٣.
٢ الشعراء: ١٩٣.
٣ التكوير: ١٩، ٢٤.
٤ الواقعة: ٧٧-٧٩.
٥ الحجر: ٩.
٦ الأحقاف: ٢٩-٣١.

<<  <   >  >>