كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قارئًا ندي الصوت، يجيد تلاوة القرآن، وللتلاوة الجيدة أثرها لدى القارئ والمستمع في فهم معاني القرآن وإدراك أسرار إعجازه، في خشوع وضراعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيه:"من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنْزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد " يعني ابن مسعود، وذلك لما أعطيه من حسن الصوت وتجويد القرآن.
وللعلماء قديمًا وحديثًا عناية بتلاوة القرآن حتى يكون النطق صحيحًا، ويُعرف هذا عندهم بتجويد القرآن، وأفرده جماعة بالتصنيف نظمًا ونثرًا، وعرَّفوا التجويد بأنه:"إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله، وتلطيف النطق به على كمال هيئته من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف".
والتجويد وإن كان صناعة علمية لها قواعدها التي تعتمد على إخراج الحروف من مخارجها مع مراعاة صلة كل حرف بما قبله وما بعده في كيفية الأداء فإنه لا يُكتسب بالدراسة بقدر ما يُكتسب بالممارسة والمران ومحاكاة من يجيد القراءة، قال ابن الجزري:"ولا أعلم لبلوغ النهاية في التجويد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن، وقاعدته ترجع إلى كيفية الوقف والإمالة والإدغام وإحكام الهمز والترقيق والتفخيم ومخارج الحروف"١.
وقد عدَّ العلماء القراءة بغير تجويد لحنًا، واللحن: خلل يطرأ على الألفاظ، ومنه الجلي والخفي، فالجلي: هو الذي يخل باللفظ إخلالًا ظاهرًا يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم، وذلك كالخطأ الإعرابي أو الصرفي، والخفي: هو الذي يخل باللفظ إخلالًا يختص بمعرفته علماء القراءة وأئمة الأداء الذين تلقوه من أفواه العلماء وضبطوه من ألفاظ الأداء.