للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمبالغة في التجويد إلى حد الإفراط والتكلف ليست أقل من اللحن، لأنها زيادة للحروف في غير موضعها، كأولئك الذين يقرءون القرآن اليوم بنغم شجي يتردد فيه الصوت تردد الوقع الموسيقي والعزف على آلات الطرب، وقد نبَّه العلماء على ما ابتدعه الناس من ذلك بما يسمى: بـ: الترعيد، أو الترقيص، أو التطريب، أو التحزين، أو الترديد، ونقل ذلك السيوطي في الإتقان، وعبَّر عنه الرافعي في "إعجاز القرآن" بقوله: "ومما ابتُدِع في القراءة والأداء هذا التلحين الذي بقي إلى اليوم يتناقله المفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم، ويقرءون به على ما يشبه الإيقاع، وهو الغناء! ... ومن أنواعه عندهم في أقسام النغم "الترعيد" وهو أن يرعد القارئ صوته، قالوا: كأنه يرعد من البرد أو الألم.. و"الترقيص" وهو أن يروم السكوت على الساكن ثم ينقر مع الحركة كأنه في عدْو أو هرولة، و"التطريب" وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به فيمد في سير مواضع المد، ويزيد في المد إن أصاب موضعه، و"التحزين" وهو أن يأتي القراءة على وجه حزين يكاد يبكي مع خشوع وخضوع، ثم "الترديد" وهو رد الجماعة على القارئ في ختام قراءته بلحن وافد على وجه من تلك الوجوه.

وإنما كانت القراءة تحقيقًا وهو إعطاء كل حرف حقه على مقتضى ما قرره العلماء مع ترتيل وتؤدة أو حدرًا وهو إدراج القراءة وسرعتها مع مراعاة شروط الأداء الصحيحة أو تدويرًا وهو التوسط بين التحقيق والحدر".

وقراءة القرآن سُنَّة من سُنن الإسلام، والإكثار منها مستحب حتى يكون المسلم حي القلب مستنير الفؤاد بما يقرأ من كتاب الله، عن ابن عمر قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه في آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار" ١.


١ أخرجه البخاري ومسلم.

<<  <   >  >>