للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تعدد الروايات في سبب النزول]

قد تتعدد الروايات في سبب نزول آية واحدة، وفي مثل هذه الحالة يكون موقف المفسر منها على النحو الآتي:

أ- إذا لم تكن الصيغ الواردة صريحة مثل: "نزلت هذه الآية في كذا" أو "أحسبها نزلت في كذا" فلا منافاة بينها، إذ المراد التفسير، وبيان أن ذلك داخل في الآية ومستفاد منها، وليس المراد ذكر سبب النزول، إلا إن قامت قرينة على واحدة بأن المراد بها السببية.

ب- إذا كانت إحدى الصيغ غير صريحة كقوله: "نزلت في كذا" وصرح آخر بذكر سبب مخالف فالمُعتمد ما هو نص في السببية، وتُحمل الأخرى على دخولها في أحكام الآية، ومثال ذلك ما ورد في سبب نزول قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ١: "عن نافع قال: قرأت ذات يوم: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فقال ابن عمر: أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن"٢, فهذه الصيغة من ابن عمر غير صريحة في السببية، وقد جاء التصريح بذكر سبب يخالفه "عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قُبلِها جاء الولد أحول، فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ٣" فجابر هو المُعتمد لأن كلامه نقل صريح، وهو نص في السبب، أما كلام ابن عمر فليس بنص فيُحمل على أنه استنباط وتفسير.

جـ- وإذا تعددت الروايات وكانت جميعها نصًّا في السببية وكان إسناد أحدها صحيحًا دون غيره فالمُتعمد الرواية الصحيحة، مثل: ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب البجلي قال: "اشتكى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك، لم


١ البقرة: ٢٢٣.
٢ أخرجه البخاري وغيره.
٣ أخرجه البخاري وأهل السُّنن وغيرهم.

<<  <   >  >>