للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إعجاز القرآن]

[مدخل]

...

١٧- إعجاز القرآن:

هذا الكون الفسيح الذي يعج بمخلوقات الله تضاءلت جباله الشامخة، وبحاره الزاخرة، ومهاده الواسعة، أمام مخلوق ضعيف هو الإنسان، ذلك لِما جمع الله فيه من خصائص، وما منحه من قوة التفكير التي تشع في الأرجاء لتسخر عناصر القوى الكونية، وتجعلها في خدمة الإنسانية. وما كان الله ليذر هذا الإنسان دون أن يمده بقبس من الوحي بين فترة وأخرى يقوده إلى معالم الهدى ليسلك دروب الحياة على بينة وبصيرة، إلا أن غلواءه الفطري يأبى عليه الخضوع لقرينه من بني الإنسان ما لم يأت له بما لا يستطيع حتى يعترف ويخضع ويؤمن بقدرة عليا فوق قدرته، فكان رسل الله الذين يتنزل عليهم الوحي ويؤيدهم الله بخوارق العادات التي تقيم الحجة على الناس فيعترفون أمامها بالعجز، ويدينون لها بالولاء والطاعة، ولكن العقل البشري كان في أطوار نموه الأولى لا يرى شيئًا يأخذ بلبه أقوى من المعجزات الكونية الحسية حيث لا يرقى عقله إلى السمو في المعرفة والتفكير، فناسب هذا أن يُبعث كل رسول إلى قومه خاصة، وأن تكون معجزته فيما نبغ فيه قومه خارقة لما ألفوه ليتحقق بعجزهم عنها إيمانهم بأنها من قُوى السماء، فلما اكتمل العقل البشري أذن الله بفجر الرسالة المحمدية الخالدة إلى الناس كافة، وكانت معجزتها معجزة العقل البشري في أرقى تطورات نضجه ونموه، فحيث كان تأييد الله لرسله السابقين بآيات كونية تبهر الأبصار ولا سبيل للعقل في معارضتها. كمعجزة اليد والعصا لموسى، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى، كانت معجزة محمد -صلى الله عليه وسلم- في عصر مشرف على العلم معجزة عقلية تحاج العقل البشري وتتحداه إلى الأبد، وهي معجزة القرآن بعلومه ومعارفه, وأخباره الماضية والمستقبلة، فالعقل الإنساني على تقدمه لا يعجز عن معارضته لأنه آية كونية لا قِبل له بها. ولكن عجزه لقصوره الذاتي. فيكون هذا اعترافًا منه

<<  <   >  >>