للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حكم التفسير بالرأي]

وتفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل حرام لا يجوز تعاطيه، قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ١، وقال, صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه -أو بما لا يعلم- فليتبوأ مقعده من النار" ٢، وفي لفظ: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ".

ولهذا تحرج السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، فقد رُوِي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: "إنَّا لا نقول في القرآن شيئًا"٣.

وأخرج أبو عبيد القاسم بن سلام: "أن أبا بكر الصديق, رضي الله عنه سئل عن الأب في قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ٤, فقال: "أي سماء تظلني؟ وأي أرض تقلني؟ إذا قلت في كلام الله ما لا أعلم"٥.

قال الطبري: "وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا: من أن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يُدْرَك علمه إلا بنص بيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه -وإن أصاب الحق فيه- فمخطئ فيما كان من فعله، بقيله فيه برأيه؛ لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هي إصابة خارص وظان، والقائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لا يعلم، وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ٦.


١ الإسراء: ٣٦.
٢ أخرجه الترمذي والنَّسائي وأبو داود، وقال الترمذي: هذا حسن.
٣ رواه مالك في الموطأ.
٤ عبس: ٣١.
٥ رواه ابن أبي شيبة والطبري.
٦ تفسير الطبري، جـ١ ص٧٨، ٧٩ – [والآية من سورة الأعراف: ٣٣] .

<<  <   >  >>