فهذه الآثار وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم من الكلام في التفسير بما لا علم لهم به. أما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعًا فلا حرج عليه ولهذا رُوِي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير -ولا منافاة- لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل إنسان، ويكون الأمر أشد نكيرًا لو ترك التفسير بالمأثور الصحيح وعدل عنه إلى القول برأيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا، بل مبتدعًا؛ لأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله, صلى الله عليه وسلم".
وقال الطبري:"فأحق المفسرين بإصابة الحق في تأويل القرآن -الذي إلى علم تأويله للعباد سبيل- أوضحهم حجة فيما تأوَّل وفسَّر, مما كان تأويله إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون سائر أمته، من أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه، أما من جهة النقل المستفيض فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض، وإما من جهة نقل العدول الأثبات، فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته، وأصحهم برهانًا -فيما ترجم وبيَّن من ذلك - مما كان مدركًا علمه من جهة اللسان، إما بالشواهد من أشعارهم السائرة، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة، كائنًا من كان ذلك المتأوِّل والمفسِّر، بعد أن لا يكون خارجًا تأويله وتفسيره ما تأول وفسَّر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخَلَف من التابعين وعلماء الأمة"١.