لقد مارس أهل العربية فنونها منذ نشأت لغتهم حتى شبت وترعرعت، وأصبحت في عنفوان شبابها عملاقًا معطاء، واستظهروا شعرها ونثرها، وحكمها وأمثالها، وطاوعهم البيان في أساليب ساحرة، حقيقة ومجازًا، إيجازًا وإطنابًا، حديثًا ومقالًا، وكلما ارتفعت اللغة وتسامت، وقفت على أعتاب لغة القرآن في إعجازه اللغوي كَسِيرة صاغرة، تنحني أمام أسلوبه إجلالًا وخشية، وما عهد تاريخ العربية حقبة من أحقاب التاريخ. ازدهرت فيها اللغة إلا وتطامن أعلامها وأساتذتها أمام البيان القرآني اعترافًا بسموه، وإدراكًا لأسراره، ولا عجب "فتلك سُنة الله في آياته التي يصنعها بيديه، لا يزيدك العلم بها والوقوف على أسرارها إلا إذعانًا لعظمتها، وثقة بالعجز عنها، ولا كذلك صناعات الخلق، فإن فضل العلم بها يمكنك منها ويفتح لك الطريق