للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقربك ليلتين أو ثلاثة، فأنزل الله: {وَالضُّحَى, وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى, مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ١" وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها -وكانت خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أن جروًا دخل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل تحت السرير، فمات، فمكث النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة، ما حدث في بيت رسول الله, صلى الله عليه وسلم؟ جبريل لا يأتيني! فقلت في نفسي: لو هيأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فأخرجت الجرو، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ترعد لحيته، وكان إذا نزل عليه أخذته الرعدة فقال: يا خولة دثريني فأنزل الله: {وَالضُّحَى} ... إلى قوله: {فَتَرْضَى} قال ابن حجر في شرح البخاري: "قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة، لكن كونها سبب نزول الآية غريب، وفي إسناده من لا يُعرف، فالمعتمد ما في الصحيحين"٢.

د- فإذا تساوت الروايات في الصحة ووُجِدَ وجه من وجوه الترجيح كحضور القصة مثلًا أو كون إحداها أصح قُدِّمت الرواية الراجحة، ومثال ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: "كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم: لو سألتموه، فقالوا: حدِّثنا عن الروح، فقام ساعة ورفع رأسه، فعرفتُ أنه يوحى إليه، حتى صعد الوحي، ثم قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ٣.. وقد أخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: "قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: اسألوه عن الروح، فسألوه فأنزل الله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ... الآية، فهذه الرواية تقتضي أنها نزلت بمكة حيث كانت قريش. والرواية الأولى تقتضي أنها نزلت بالمدينة، وتُرجَّح الرواية الأولى لحضور ابن مسعود القصة، ثم لما عليه الأمة من تلقِّي صحيح البخاري بالقبول وترجيحه على ما صح في غيره.


١ الضحى: ١-٣.
٢ انظر الإتقان، جـ١ص٣٢، وخولة: هي خادم رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
٣ الإسراء: ٨٥.

<<  <   >  >>