عند حدوث سببه خوف نسيانه، كما قيل في الفاتحة، نزلت مرتين: مرة بمكة، وأخرى بالمدينة".
هذا ما يذكره علماء الفن في تعدد النزول وتكرره، ولا أرى لهذا الرأي وجهًا مستساغًا، حيث لا تتضح الحكمة من تكرار النزول. وإنما أرى أن الروايات المتعددة في سبب النزول ولا يمكن الجمع بينها يتأتى فيها الترجيح. فالروايات الواردة في سبب نزول قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} ١ ... الآية، ترجح فيها الرواية الأولى على الروايتين الأخيرتين، لأنها وردت في الصحيحين دونهما، وحسبك برواية الشيخين قوة. فالراجح أن الآية نزلت في أبي طالب. وكذلك الشأن في الروايات التي وردت في سبب نزول خواتيم سورة النحل، فإنها ليست في درجة سواء. والأخذ بأرجحها أولى من القول بتعدد النزول وتكرره.
والخلاصة.. أن سبب النزول إذا تعدد: فإما أن يكون الجميع غير صريح، وإما أن يكون الجميع صريحًا، وإما أن يكون بعضه غير صريح وبعضه صريحًا، فإن كان الجميع غير صريح في السببية فلا ضرر حيث يُحمل على التفسير والدخول في الآية "أ" وإن كان بعضه غير صريح وبعضه الآخر صريحًا فالمعتمد هو الصريح "ب" وإن كان الجميع صريحًا فلا يخلو، إما أن يكون أحدهما صحيحًا أو الجميع صحيحًا, فإن كان أحدهما صحيحًا دون الآخر فالصحيح هو المعتمد "جـ" وإن كان الجميع صحيحًا فالترجيح إن أمكن "د" وإلا فالجمع إن أمكن "هـ" وإلا حُمِل على تعدد النزول وتكرره "و" وفي هذا القسم الأخير مقال، وفي النفس منه شيء.