للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلما اشتد ألم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتكذيب قومه، وداخله الحزن لأذاهم نزل القرآن دعمًا وتسلية له، يهدد المكذِّبين بأن الله يعلم أحوالهم، وسيجازيهم على ما كان منهم: {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} ١، {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ٢.

كما يبشره الله تعالى بآيات المنعة والغلبة والنصر: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ٣، {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} ٤، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} ٥.

وهكذا كانت آيات القرآن تتنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تباعًا تسلية له بعد تسلية، وعزاء بعد عزاء، حتى لا يأخذ منه الحزن مأخذه ولا يستبد به الأسى، ولا يجد اليأس إلى نفسه سبيلًا، فله في قصص الأنبياء أسوة، وفي مصير المكذِّبين سلوى، وفي العدة بالنصر بُشرى، وكلما عرض له شيء من الحزن بمقتضى الطبع البشري تكررت التسلية، فثبت قلبه على دعوته، واطمأن إلى النصر.

وهذه الحكمة هي التي رد الله بها على اعتراض الكفار في تنجيم القرآن بقوله تعالى: {َذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} ٦.

قال أبو شامة٧: "فإن قيل: ما السر في نزوله مُنَجَّمًا؟ وهَلَّا أُنزل كسائر الكتب جملة؟ قلنا: هذا سؤال قد تولى الله جوابه، فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} ٨.. يعنون: كما أُنزل على من قبله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله: {كَذَلِكَ} أي أنزلناه مفرَّقًا {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان


١ يس: ٧٦.
٢ يونس: ٦٥.
٣ المائدة: ٦٧.
٤ الفتح: ٣.
٥ المجادلة: ٢١.
٦ الفرقان: ٣٢.
٧ أبو شامة: هو عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي، الفقيه الشافعي، له "الوجيز إلى علوم تتعلق بالقرآن العزيز" و"شرح على الشاطبية" المشهورة في القراءات, توفي سنة ٦٦٥ هجرية.
٨ الفرقان: ٣٢.

<<  <   >  >>